استفزازات كيركجارد

استفزازات كيركجارد
  • اسم المؤلف سورين كيركجارد
  • الناشر زوى
  • التصنيف الحياة المسيحية
  • كود الاستعارة 214/7
طلب الكتاب

هذا الكتاب هو ترجمة لبعض ماورد في النسخة الإنجليزية لكتاب "استفزازات Provocations" - وليس كلها، والذي هو عبارة عن تجميع لمعظم، إن لم يكن كل، ما كتب كيركجارد من مقالات في الحياة المسيحية بترجمة إنجليزية مبسطة، حيث أن كتابات كيركجارد في اللغة الأصلية (الدانمركية) هي من أصعب الكتابات على الإطلاق وهي عسرة الفهم والترجمة إلى الإنجليزية، ناهيك عن العربية بالطبع، وربما ذلك سبب عدم معرفة المجتمع العربي بكيركجارد، أللهم إلا في الوسط الفلسفي الأكاديمي. فغني عن الذكر، بالطبع، أن كيركجارد لم يكتب فقط في الحياة المسيحية، فهو الشخص الذي يعتبر مؤسس مذهب الوجودية في الفلسفة، وهو ما يُظهر لنا أن الوجودية بدأت مسيحية قبل ظهور الوجودية الإلحادية على يد نيتشه وسارتر. إلا أن كيركجارد أصر أن يؤكد في حياته أنه ليس فيلسوفاً، بل أنه ليس إلا مسيحي. وقد نشر كيركجارد الكثير من مقالاته هذه  أول ما نشر من خلال الجريدة التي أسسها بعنوان اللحظة The Instant عام 1855.


 


قام تشارلز مور Charles E. Moore بترجمة وتحرير هذه المادة لدار نشر "Plough المحراث" والتي تخص "إخوانية Bruderhof" ونشرها بالمجان، كعادة كتب "إخوانية Bruderhof" ، سواء على الإنترنت أو الكتب المطبوعة. ولعلك عزيزي القارئ تجد ما يفيدك في موقعهم على الإنترنت، حيث أنهم يقومون بترجمة كتبهم إلى العديد من اللغات ومنها اللغة العربية، و موقعهم الإلكتروني هو www.plough.com


 


وتعريفاً بمادة هذا الكتاب، الذي بين يدينا هنا، رأينا أن نترك معكم بعض مقالاته، بعضها هنا وبعضها الآخر في الخواطر التي ننشرها أول ومنتصف كل شهر في الباب الخاص بذلك في موقعنا (اضغط هنا للذهاب مباشرة لخاطرة كيركجارد التي تم نشرها اليوم)


 


 


الخطر الأكبر


 


تصور معي دواء إذا أخذت منه الجرعة الكاملة يكون له أثر ملين وإذا أخذت نصف الجرعة يسبب الإمساك. وافترض أن هناك شخص ما يعاني من الإمساك، ولكن لسبب أو لآخر، ربما عدم وجود ما يكفي من الدواء لإعطاءه جرعة كاملة او ربما خوفاً من إعطاءه أكثر من اللازم من الدواء – تم إعطاءه وبحسن نية نصف جرعة، ونقول: "أننا على الأقل أعطيناه شيئاً" يا لها من مأساة!


 


وهكذا هي مسيحية اليوم، إن كل شئ يتم قياسه بنفس مبدأ "إما../أو.." فيكون للنصف أثر معاكس تماماً للكل. ولكن نحن المسيحيين نستمر في القيام بالممارسات الفاترة من جيل إلى جيل، وننتج مسيحيين بالملايين – ونفتخر بذلك – دون أن يساورنا أدنى شك أن ما نفعله هو على العكس تماماً مما يتوجب علينا فعله.


 


يحتاج الأمر إلى طبيب كي ندرك أن نصف الجرعة يكون لها أثر معاكس للجرعة الكاملة، ولكن أي شخص عادي لن يدرك هذا. ويستمر في تكرار "إن نصف الجرعة – حتى لو لم يكن لها أثر جيد – لازالت تعتبر شئ ما" ولكنها في الواقع يكون لها أثر معاكس وأي شخص عادي لن يفهم هذا. أؤكد لكم، إن الخطر الأكبر على المسيحية ليس الهرطقات ولا الانحرافات، ولا الملحدين، ولا حتى العلمانيين وإنما هو ذلك المعتقد أن "الوسطية" أفضل. إن هذا مثل دس السم في العسل، إن التبسط الزائد في علاقتنا مع الله أمر خطير يمكنه أن يزيح مخافة الله. فهو أمر يبدو بسيط ولائق على الدوام، ولكنه يتسرب وينمو وينتشر أكثر فأكثر، وتكون النتيجة أنه- شيئاً فشيئاً- يسلب المخافة بالكامل. وهنا يكمن الخطر، لأن معظمنا يكون مستعد لصد الهجمات العنيفة، أكثر من استعداده لأن يتم سلبه، بمنتهى اللطف، قليل بقليل. ربما يبدو أن المسيحية تهدف إلى تكوين علاقة "ودودة" مع الله، ولكن جوهر المسيحية يختلف تماماً عن مثل هذه الافتراضات. فمسيحية اليوم تعتمد في الأساس على "علاقة ودية فاترة" مع الله تشبه العلاقة الأسرية، وهذا خطر جداً على المسيحية. فالمسيحية لا تعارض الفسق والزنى ومثل هذه الأشياء بقدر معارضتها هذه العلاقة الساذجة وهذا الجو المثير للغثيان، الذان يؤديان إلى خطايا بشعة وانحرافات جامحة، ووقتها لن يكون من السهل الخضوع لله وتسليم الحياة له تسليم غير مشروط. لاشئ بعيد عن "إما ../أو.." (اختيار الله) أكثر من هذا النوع من العلاقة مع الله.


 


لنأخذ في الاعتبار رأي المسيح في "الوسطية"؛ فعندما أراد الرسول بطرس، بنية حسنة، أن يمنع صلب المسيح، جاوبه المسيح قائلاً: "اذهب عني يا شيطان! أنت معثرة لي، لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس."


 


في العالم الذي نعيش فيه والذي يميل للـ"الوسطية"، نرثي لحال الأصوليين والمتشددين ونقول إنهم مهوسين وأن الطريق الأوسط هو الطريق الصحيح، لأنه الطريق الوحيد الذي لا يمكن اتهامه بالجمود أو التعصب.


 


هذا محض هراء فالمسيح له فكر مختلف تماماً: إن  "الوسطية" هي أكبر إثم، إنها استحواذ شيطاني، واحتمالية الشفاء منها مستبعدة تماماً. إن أقصر الطرق إلى الهلاك هو أن تكون وسطي (مسيحي متوسط) في حياتك الروحية.


 


إن حياتنا على الأرض وما نحصل عليه من مزايا ومنافع يتبع مبدأ "الوسطية"، ولكن الحياة الروحية تختلف عن ذلك تماماً فهي تهدف إلى الارتقاء بالإنسان إلى ما فوق الأرضيات. إنها مسألة "أما../أو.." فإما أن تكون حياة ممتازة أو تكون حياة رديئة، إما أن تكرس لها كل قلبك كل فكرك وكل قوتك، أو لا تفعل أي شئ على الإطلاق، إما أن تختار الله كاملاً وتكرس له نفسك بالكامل أو لا شئ.


 


ومع ذلك فنحن البشر الأذكياء نتعامل مع الإيمان كما لو أنه شئ أرضي، شئ أُعطى لنا لنتمتع ونلهو به، ومن المفترض أن يجلب لنا السعادة والرضا وأن يعفينا من الإرتباك. إن هذا النوع من التدين لهو نوع زائف، وإذا كنت أميناً وتفحصته بعمق أكثر ستكتشف أنه غير مسيحي من الأساس رغم أنه قد يبدو كذلك ويغوي الكثيرين، وفي هذا يمكن الخطر. إن الإيمان الحقيقي يصر أن يكون "إما ../أو.."، لكن أن تحتقره وتعامله مثل الطعام والشراب والأمور الأرضية الأخرى فهذه هي  "الوسطية" غير المقبولة.


 


 


سورين كيركجارد


نبذة مختصرة عن الكتاب:


 


 


 


كان سورين كيركجارد Soren Kierkegaard (1813-1855)، والذي ولد وعاش حياته القصيرة في الدانمرك، إنساناً "مرسل" من الله إلى العالم الذي وُضِعَ في الشرير وإلى الإنسان الكنسي المسيحي الذي فقد نوره وملحه وبردت محبته، الإنسان الممارس لكل الممارسات المسيحية ولكنه مرفوض أمام صليب المسيح، وأيضاً إلى الكنيسة التي خانت رأسها وسيدها وباعت نفسها للمصالح والشهوات الشخصية لقادتها ورعاتها "الأجراء" بل وباعت نفسها للعالم ورئيسه "الشيطان".


يُعتبر سورين كيركجارد في رأي الكثير من الكتاب المسيحيين المعاصرين أعظم من أنجبهم الله في تاريخ المسيحية ليقوموا بهدي الكنيسة إلى طريق البر والقداسة. لقد درس كيركجارد اللاهوت والفلسفة ولكنه كرس حياته للكتابة، وله العديد والعديد من المؤلفات التي ينكب الباحثون والدارسون والمؤمنون في كل أنحاء العالم على دراستها والوصول إلى أعماقها. بل أن هناك معاهد في العالم تحمل اسمه، وفصول دراسية في كثير من الجامعات وكليات اللاهوت تُخصص لدراسة فكره ومؤلفاته.


 


(من مقدمة المترجم لكتاب: دينونة المحبة والمحبة التي لم تُحَب)