أن تصير إنساناً

أن تصير إنساناً
  • اسم المؤلف كارل روجرز
  • الناشر دار الكلمة
  • التصنيف مشورة وعلم نفس
  • كود الاستعارة 114/2
نبذة مختصرة عن الكتاب:

 


هذا هو الكتاب المميز الأشهر لكارل روجرز ، أحد أهم رواد علم النفس الحديث، و الذي فيه خاطب العامة والأكاديميين على حد سواء. في هذا الكتاب قدم روجرز مجهوداً جباراً لخدمة معتقده الأساسي وهو أن الناس يحتاجون للقبول وعندما يحصلون عليه يتحركون نحو تحقيق الذات.

في الجزء الأول من هذا الكتاب قدم روجرز حديثاً شخصي من خلال الحديث عن المعاناة والأمل والتوتر والرضا وهي الأشياء التي تملأ فراغ حجرات المشورة في كل مكان للعلاج، وهو هنا يقدم وصفاً دقيقاً للمستشير الذي يكافح ليكون ذاته، وفي ذات الوقت يخاف خوف الموت من أن يكون ذاته، كما ويطمح لأن يرى تجاربه كما هي ويتوق أن يكون هذه الخبرات والتجارب، غير أنه يخشى العواقب كثيراً. وهو أيضاً يتكلم عن المشير وهو جالس ليواجه المستشير ويشارك في هذا الصراع بكل قوة وبشكل حساس وعميق محاولاً إدراك هذه الخبرة والمعنى والشعور والفكرة الموجودة فيهم بالنسبة له، محاولاً أيضاً تجاوز الضعف الإنساني الخاص به كي يفهم المستشير ويرى الحياة كما يراها هو، حيث يشعر المشير في هذه العملية بإحساس القابلة التي شاركت في توليد شخصية جديدة.

وفي الجزء الثاني والذي يحمل عنوان "كيف يمكن أن أساعد" يقدم روجرز سؤال هام، وهو: هل يمكنني تقبل المستشير كما هو، وهل أنا أتعامل معه بشروط فأقبل بعض من مشاعره وأرفض في صمت أو صراحة جوانب أخرى؟ فخبرة روجرز تقول أن التغيير لا يحدث إذا كان سلوكي مشروطاً، ولن ينمو المستشير في الجوانب التي لا أستطيع، كمشير، تقبله فيها تماماً. ويقول روجرز أن سبب الرفض وعدم قبول المستشير هو الخوف والرعب من جوانب أحاسيسه، ولو أردت أن أكون مفيداً لابد أن أنمو أنا ذاتي وأقبل نفسي في هذا الصدد.


لماذا يحدث التغيير في الشخص الباحث عن المساعدة عندما ينخرط هذا الشخص في علاقة مع معالج يتميز بالصدق والشفافية والتعاطف الوجداني والقبول والفهم (وهي شروط روجرز الأساسية للمشورة)؟ يجيب روجرز؛ لأن المستشير عندما يجد شخصاً يستمع إلى مشاعره وأحاسيسه في قبول يصير قادراً على الاستماع لنفسه ويبدأ في تلقي الاتصالات من داخل نفسه وأدراك أحاسيسه ومشاعره. عندها يستطيع الإصغاء لمشاعر كان يظنها مرعبة ورهيبة لذلك أنكرها وكبتها، وبينما يتعلم الإصغاء لنفسه يتعلم أيضاً كيف يزداد تقبله لنفسه وكلما عبّر أكثر عن الجوانب المخجلة المختلفة في نفسه ووجد أن المعالج (المشير) يظهر استجابة غير مشروطة إيجابية لمشاعره وتقدير لشخصه يبدأ في التحرك نحو اتخاذ نفس سلوكيات المعالج تجاه نفسه ويقبل نفسه على ما هي عليه ومن ثم يبدأ التحرك في عملية أن يصير نفسه، أي أنه عندما يجد المستشير أن المعالج  شخص واقعي وفي نفس الوقت صادق ومتعاطف وله نظرة إيجابية غير مشروطة تجاهه يبدأ حدوث التغير في الشخصية والسلوك في اتجاه الصحة النفسية والنضج والعلاقات الواقعية مع النفس والآخرين والمناخ المحيط.


إن معنى "أن تصير أنساناً" لدى روجرز يظهر فيما يقتبسه من كيركجارد، حيث أن أكثر ما يختبره الناس شيوعاً هو أن تكون في يأس عندما لا تختار أو لا تريد أن تكون نفسك، وأن اعمق أنواع اليأس هي أن تختار ألا تكون نفسك، واذا فعكس اليأس أن يختار الإنسان أن يكون هذه النفس التي هي هو حقاً في الحقيقة وهذا الاختيار هو أعمق مسئولية يتحملها الإنسان، وهذا ما يعيشه الإنسان في بحثه عن حقيقة نفسه وهو بحث مؤلم عادة.

وفي الجزء الخاص بخبرة الإحساس يوضح روجرز معنى أن نشعر بكل مشاعرنا وأحاسيسنا، أي نشعر بها بحرية بالغة ، نشعر بالحب مثلاً، نشعر بالحقد ونشعر بالغيرة مثلما بالصدق وألا ينكر علينا أحد حقنا في هذه المشاعر وألا ننكرها على أنفسنا. عندها نجد الحرية لنختار أن نحب بدلاً من أن نحقد، أن نفرح بدلاً من الغيرة.

ورغم ما يحدث في العلاقة المشورية من دعم وتيسير من جانب المعالج للمستشير من خلال جو الدفء والتفاهم لكن فقط من خلال الألم يكتشف الإنسان كل ما يقع خلف الأقنعة التي يقابل العالم بها أو التي يخدع بها نفسه. وعلى عمق سحيق يمر بخبرة العناصر العديدة في ذاته التي كانت مختنقة بداخله وعندها ولدرجة كبيرة يصير نفسه وليس واجهه متكيفة مع الآخرين ولا إنكار مضحك لكل مشاعره ولا واجهه من العقلانية الذهنية لكن شخصاً عملياً حياً يتنفس ويشعر، باختصار يصير إنساناً.

كما أنه ازدياد القدرة على الانفتاح على التجربة والخبرة تقلل من الدفاعية والتصلب وتجعله أكثر واقعية على التعامل مع أشخاص ومواقف ومشاكل جديدة ويصير بوسعه تحمل الغموض، وعندما ينفتح العميل على خبرته يصل إلى أن يجد كائنه الخاص ويجده أهلاً للثقة ويشعر بخوف أقل من ردود الأفعال الشعورية التي يمر بها، وينمو في تقديره ومحبته لكائنه الداخلي، وفي موقع اختياره للقرارات والأحكام يصل الفرد بشدة للإحساس بأن نقطة التقييم تلك تقع داخله ويقل اعتماده بشكل كبير على الآخرين بحثاً عن موافقتهم أو رفضهم ويصبح السؤال المهم لديه هو هل أحيا بطريقة ترضيني حقاً وتعبر عني؟ وهو أهم سؤال للفرد الخلاق.

وفي الجزء السادس يتحدث روجرز عن نظرية الإبداع، حيث يستعرض الدافع على الإبداع وهو نزعة الإنسان لتحقيق ذاته أي يصير كل إمكانياته، وان هذه النزعة قد تطمر تحت ركام من الدفاعات النفسية التي تمنعها من التواجد لكنها موجودة في كل الأفراد وتنتظر الظروف الملائمة كي تنطلق ويتم التعبير عنها. كما يتحدث عن الظروف الداخلية للإبداع البناء، ومنها الانفتاح على الخبرة وهو عكس الدفاعات النفسية التي يختبئ خلفها الفرد فهو يعني انعدام التصلب وانفتاح الحدود في عالم المفاهيم والمُثل والمدركات والمعتقدات والفرضيات، أنه يعني التقبل والتسامح مع الغموض عند وجوده، أنه القدرة على استقبال الكثير من المعلومات المتضاربة بدون الإجبار على الانغلاق في الموقف. أما إذا كان الانفتاح على جانب وحيد من جوانب الخبرة فالإبداع ممكن لكن ناتجه قد يكون مدمراً للقيم الاجتماعية.

أما الشرط الثاني للإبداع فهو وجود موقع التقييم داخلياً، أي أن أساس التقييم يوجد بداخله في رد فعله العضوي على ناتجه وتقييمه له، فلو أحس الشخص أنه في حالة فعل أي في تحقيق لقدرته الكامنة فيه والتي لم تكن متحققة من قبل لكنها خرجت للوجود الآن لذا فهي مرضية له وبناءة، فلا يمكن لأي تقييم خارجي أن يغير هذا.


ويختتم الكتاب بالجزء السابع الذي يتحدث فيه عن العلوم السلوكية والفرد. وهو هنا يتحدث عن مقدار ما يمكن لعلم النفس أن يؤثر به على أراء ومقدرات وظروف كثيرة سواء بالإيجاب أو بالسلب، ولو اخترنا استخدام معرفتنا العلمية لتحرير البشر فهذا يتطلب أن نحيا في انفتاح وصراحة، والاختيار الشخصي المسئول وهو أهم عنصر في كينونة الشخص، وهو لب تجربة العلاج النفسي والموجود قبل أي بحث علمي، هو أيضاً واقعة حقيقية هامة في حياتنا. وعلينا أن نحيا ونحن ندرك أن إنكار حقيقة وواقع الخبرة عن الاختيار الشخصي المسؤول هو أمر غبي منغلق مثلما هو الحال مع إنكار إمكانية العلم السلوكي. وختاماً، لا يمكن تواجد العلم دون اختيار شخصي للقيم التي نطمح إلى تحقيقها، وهذه القيم التي نختار تطبيقها ستكون دائماً خارج نطاق العلم الذي يطبقها والأهداف التي نختارها. والأغراض التي نأمل في أن نتبعها لابد وان تكون دائماً وأبداً خارج العلم الذي يحكمها. بالنسبة لي، يقول روجرز، فهذا يقدم معنى مشجعاً هو أن الكائن البشري بقدرته على الاختيار الذاتي يمكنه أن يتواجد وسيتواجد دائماً بصرف النظر عن أي منحنى علمي اتخذه أو اقتفاه. وما لم نختر كأفراد وجماعات أن ننبذ قدرتنا على الاختيار الذاتي سنظل دائماً أشخاصاً وليس مجرد بيادق على رقعة شطرنج خلقها علم سلوكي.