نبذة مختصرة عن الكتاب:
تشرفت بمعرفة "ج. د" (42 سنة) كاتبة "أزورا" عام 2002 بالولايات المتحدة الأمريكية أثناء رحلتي التدريبية الأخيرة في حقل المشورة، وقد سمحت لي بنشر أي من كتابتها، إن كانت ستفيد في مجال المشورة. وقد اخترت "أزورا" والتي ترمز لحياتها الشخصية ورحلتها المشورية، ورأيت أن أضيف الجزء التالي من سيرتها الذاتية كمقدمة لقصة "أزورا" حيث أننا وجدنا أنه من الهام جداً معرفة شئ عن خلفية حياة "ج. د" لفهم قصتها وصراعها، أي قصة وصراع "أزورا".
وهذا الجزء التالي من سيرة حياتها الشخصية اعتدت أن استخدمه في محاضراتي عن الواقعية (كأحد سمات ومعايير النضج النفسي)، وكان يقدم خير مثال أفاد الآخرين في هذا الشأن، فدعونا نقرأه معاً هنا. مشير سمير
إن حياتي معجزة. فقط بنعمة أبي السماوي أنا حية اليوم وقادرة على أن أكتب هذا الجزء من قصة حياتي. الكثير منها قبيح الذكر، ولكنها الحياة التي أعطاني إياها الآب. فهي في الحقيقة قصته هو فيّ.
وُلِدتُ في مايو من عام 1960. وكنت الابنة الثانية بعد أخ وُلِدَ في عام 1958. ولقد وُلِدتُ في أسرة كانت منخرطة مع جماعة من عبدة الشيطان لجيلين مضوا على الأقل بحسب ما أعرف. وكان هذا النشاط من جهة عائلة والدي. فأمه (جدتي) كانت شخصية شريرة للغاية. وأظن أنها قد مارست الكثير من الإيذاء الشديد على والدي حين كان طفلاً. حين وُلِدتُ أنا كان كل منهما (والدي وجدتي) من مدمني الخمر ومشتركين في هذه الجماعة من عبدة الشيطان والتي كانت تمارس بعض الطقوس والمراسم في أسلوب عبادتها تصل إلى حد ارتكاب الجرائم. وكانت أمي شخصية ضعيفة مملوءة بالخوف ولا حيلة لها حتى إنها كانت واقعة تحت سيطرتهم بالكامل.
لقد تعرضت لأول انتهاك جنسي في حياتي يوم وُلِدت. لم يُسمح لي بأن أحيا حتى يوماً واحداً في طهري وبراءتي التي أُخذت مني. فقد كان هذا أسلوبهم لتكريسي لنوعية معينة من الحياة. لقد أرادوا لي أن أؤمن بأني شريرة وملك للشيطان منذ ولادتي. ولكني أؤمن أن دعوة الآب كانت على حياتي حتى من قبل أن أُولد، وأنه هو الذي أخرجني من بطن أمي، كما في مزمور 71: 6، 22: 9-10، أشع49: 1، لقد أعطاني الرب هذه الآيات لكي يعينني على الفهم. لقد أعطاني الآب روح قوية وعنيدة تأبى أن تنكسر. فحتى وأنا طفلة صغيرة، في أعماقي، عرفت أن الآب معي وأني أنتمي إليه هو. تلك الحقيقة أعانتني على النجاة.
كان هناك تدريبات تمارسها تلك المجموعة من شأنها أن تكسر نفس الطفل وإرادته حتى يقوم بفعل كل ما يؤمر به دون نقاش ودون أن يخبر أحد من خارج المجموعة. احتوت هذه التدريبات على الكثير من التعذيب والإيذاء، وقد تم تدريبي بصفة خاصة على القيام بأعمال منافية للآداب لاُستخدم كالرقيق الأبيض. لقد بدأت جدتي معي هذا التدريب وأنا بعد رضيعة، والذي استكملته المجموعة فيما بعد. لقد كنت أُوضع تحت الماء حتى أتوقف عن البكاء والصراخ. كان من المفروض علىّ أن لا أظهر أي مشاعر أو دموع أو حتى غضب. تم ضربي وحرقي بمياه مغلية وكذلك حبسي في صندوق مغلق. تم جرحي بالسكاكين واغتصابي وانتهاكي جنسياً. تم إعطائي مواد مخدرة وصعقي بتيار كهربائي في كثير من الأحيان. هذا بالإضافة إلى الكثير من التهديدات الأخرى. لقد كانت عمليات التعذيب كثيرة لأن روحي كانت صلبة وتأبى أن تنكسر. تعلمت أن أمنع جسدي من أن يشعر بالألم، فكنت معنوياً أنكفئ داخل ذاتي في مكان لا تصل إليه يدهم. وهناك كان الآب يعتني بي. وفي أثناء عمليات التعذيب هذه كنت كثيراً ما أرى رؤى ليسوع يقف فيها بجانبي ويسعفني. وكبرت وقد تعلمت أن أفعل الأشياء التي يطلبونها مني ولكن من الخارج فقط، بينما في الداخل كانت شخصيتي الحقيقية تختبئ. تعلمت أن أكون أي شئ يُطلب مني وأن ألبس أي وجه يريدون أن يروني فيه لكي أتجنب المزيد من الألم، وربما قد أكسب بعض الحب أيضاً. وهكذا استطعت أن أنجو، ولكن كان الثمن أن تحطمت شخصيتي وعقلي إلى أجزاء كثيرة. لم أعد إنسانة بالمعنى الحقيقي أبداً، فلم يعد لدى أي شعور بالهوية أو بالذات. ولازلت إلى الآن أصارع مع إحساسي بمن أنا.
في الطقوس التي كانت تمارسها هذه المجموعة كنت أشهد عمليات اغتصاب أطفال آخرين وقتل وحرق بعض الرضع حديثي الولادة. بل أنهم أجبرونا كأطفال أن نفعل ذلك بعضنا بالبعض.
أيضاً تعرضت للإيذاء الجنسي من والدي بالمنزل منذ أن كنت طفلة صغيرة وحتى عدة سنوات بعد زواجي. حتى أنه أتاني في الليلة التي تسبق الزفاف، ليجعلني أتأكد من أنني سأظل دائماً ملك لاستخدامه الشخصي وأني لن أفلت من ذلك أبداً. لقد كانت أمي تعلم بشأن ذلك الإيذاء ولكنها كانت عاجزة عن أن تفعل شيئاً، فما كان منها إلا أنها تحولت إلى الغضب مني وإلقاء اللوم علىّ. ومع مرور السنوات بدأت هي نفسها أيضاً في إيذائي. لم أجد لي ملاذاً أمناً أنمو فيه سوى داخل نفسي. وحين كبرت بدأ أبي في تقديمي لرجال آخرين ولمجموعات من النساء والرجال لاستخدامي في الفحشاء. فاستـُخدِمت في الدعارة بالرغم مع أنه لم يكن ذلك من اختياري. فلا أعرف حتى عدد من اغتصبوني، أكثر من أن يحصوا. فبعد قليل لا يفرق العدد. لقد حملت في طفل وأنا في الثانية عشر أو الثالثة عشر من العمر، ولكن الجنين أُخذ مني قبل أن ينمو.
وأما عن أسوأ الأشياء التي علىّ أن أحيا بها، فهي تلك الأوقات التي فيها أُرغِمت على أن أؤذي آخرين. فقد وجدوا أنه يمكنهم التحكم فيّ عن طريق إيذائهم للآخرين أمامي أو جعلي أؤذي الآخرين أكثر من أنهم يؤذونني أنا شخصياً. فحين كنت في الثالثة أو الرابعة من العمر حبلت أمي في طفل آخر. ولكنهم أخذوا الجنين منها مبكراً وأرغموني على أن أطعنه بالسكين. لقد كان ميتاً بالفعل ولكني لم أعلم ذلك، بل تركوني لأحيا معتقدة بأني قد قتلت أخي الوليد. ثم وأنا في الحادية عشر أو الثانية عشر من العمر أُرغِمت على قتل طفلة في مثل عمري. كان من المفترض أن أقتلها بطريقة معينة حسب الطقوس ولكني قطعت حلقها لأجعلها تموت أسرع فلا تتعذب كثيراً. ولقد تم عقابي بشدة من أجل ذلك. فقد جعلوا طفلة أخرى تـُقتل أمامي وتم التمثيل بجثتها لمعاقبتي على رفضي أن أفعل ما كان يجب أن أفعله. لقد عشت كطفلة وأنا أعتقد بأني المسئولة عن حوادث الموت هذه، وهو أصعب ما قض مضجعي حتى وأنا بالغة، كما لو أني لا أستطيع أن أمحو آثار الدماء من يديَّ أبداً. لو كان بإرادتي لما اقترفت مثل هذا الفعل أبداً. الآب يعرف قلبي جيداً. لقد أخبرني بأني غير مذنبة في عينيه، إلا أن الذنب والخزي لم يفارقاني. كم أتوق إلى اليوم الذي فيه أتخلص تماماً من هذا الخزي.
في سن الحادية عشر بدأت أشرب الخمور مع أصدقائي. لقد شربت بشراهة وأقمت علاقات خارجة كثيرة مع الأولاد من هم في مثل عمري. لم يكن عندي أي حدود أو أخلاقيات، فقد اُسقِطـَت الحدود والأخلاقيات مبكراً حين كنت طفلة. لقد أردت فقط أن يحبني أحداً. لقد كنت مستعدة أن أفعل أي شئ لكي اُحَب. كنت أبحث في كل موضع عن الحب. وبالرغم من وجود حب الآب لي في الداخل، إلا إني كنت أحتاج إلى الحب من البشر أيضاً، حب مثل ذلك الذي توفره العائلة عادة. ولكني لم أعرف أين يمكنني أن أجد ذلك الحب.
بدأت أحضر الكنيسة في سن الخامسة عشر. تعمدت وأخذت قرار علني باتباع المسيح في السادسة عشر. ولكن لم يعلم أحد في الكنيسة بأمر عائلتي. استمررت في أن أحيا حياة مزدوجة، واحتفظت بكل شئ مختبئ في السر. لقد كنت خائفة مما قد يقوله الآخرين لو علموا بأمري. لقد أحببت الآب بشدة، وعلمت أنه قد حفظني حية وأحبني وكان أباً لي حين لم يحبني أحد على الإطلاق. هناك قصة في لوقا 7 عن المرأة التي غسلت بدموعها أقدام المسيح. لقد شعرت دائماً بأني مثل تلك المرأة. الآخرون ينظرون إليها ولا يروا سوى خاطئة بشعة، ولكن يسوع رأى إيمانها واحتياجها، وقال أنها أحبت كثيراً لأنها غُفِـر لها كثيراً. لقد إمتلأَت بالحب والعرفان (وأيضاً الدموع!). هكذا كان الأمر معي تماماً. لقد غُفِـر لي كثيراً ولهذا أنا مملوءة بالعرفان وقادرة على الحب والبكاء أيضاً. لقد أُرغمت على التوقف عن البكاء حين كنت طفلة، ولكن حين بدأت أتبع يسوع وأنتمي إلى الكنيسة في السادسة عشر من عمري أعاد الآب لي الدموع التي حُرمت منها. ففي أي وقت أستشعر فيه حضوره أو أشعر بمحبته أجدني أبكي. أو حين يكون شخص ما عطوفاً معي أجدني أيضاً أبكي. دموع التوبة، دموع الامتنان، دموع الفرح. هكذا كان الحال معي.
لم يتوقف الإيذاء لمدة اثنتي عشر عاما أخرى، إلا أن محبتي للآب وإيماني استمرا في النمو. كان الشيطان يهاجمني في كل مرة أحاول فيها الصلاة. كان يخبرني بأني غير جديرة بالصلاة، وبأني شريرة جداً حتى أن الآب لا يحتمل أن يحبني. ولكن الآب استمر يتكلم إليّ ويخبرني بقيمتي لديه. كنت أسمعه يهمس بمقدار أهميتي عنده. كنت أشعر به يحتضني في الليل، ويؤكد لي بأنه قد تبناني في عائلته وأنه طهرني بدم يسوع. بنعمته، وبنعمته وحدها أنا خَلـُصت.
في التاسعة عشر من عمري اخترت الالتحاق بكلية اللاهوت، وهناك قابلت زوجي الذي تزوجت منه بعد ذلك بعامين. لم أصدق أن الآب سيعطيني مثل رجل الله هذا زوجاً لي، رجل عطوف ورقيق بحق. لقد كان عطية عظيمة أتت بكثير من الشفاء لحياتي. لم يعلم آنذاك بشأن عائلتي ولا بتاريخي معهم. لقد أخفيت عليه الأمر لأني كنت خائفة. وقد رُسِمَ قسيساً وقمنا برعاية هذه الكنيسة منذ عام 1986.
حين وُلِدتُ سلمتني عائلتي لإبليس، وقيل لي أني شريرة وإنني من خاصته. ولكن الآب دعاني من الرحم. لقد اختارني كابنة وكخادمة له، وأيضاً لكي أعطي حياتي له. لقد فدى من الشر حياتي. وقد أعطاني أربعة أبناء رائعين، وبرحمته لن يستمر الشر إلى جيلهم. لم يتوقف الإيذاء من جهة والدي والمجموعة حتى عام 1988 حين انتقلنا أخيراً من تلك المدينة. لقد كنت في الثامنة والعشرون من عمري، وكنا نخدم الرب، ولكني كنت لا أزال عاجزة وبلا حيلة أمامهم حتى انتقلنا من تلك البلدة. لقد كانوا يهددون بالأذى لحياتي وحياة زوجي وأطفالي إذا لم أتعاون معهم، حتى تمكنا بنعمة الله من الإفلات والتحرر منهم. ولم يعرف زوجي الحقيقة إلا بعد مرور سنوات طويلة.
لم أبدأ في طلب المشورة حتى عام 1992، حيث بدأت في الاستشفاء من جروحي وذكرياتي المؤلمة، وبدأت أخرج من خلف الستار وأكسر حاجز الخزي القوي. لقد كانت عملية مؤلمة وبطيئة لأنني كنت محطمة تماماً وأخفي الكثير من الأشياء الرهيبة بداخلي. عندئذ بدأتُ رحلة البحث عن من أنا، ومن أكون. "ج. د."
في ذلك العام الذي تقابلت فيه مع "ج. د." وتعرفت على مأساة حياتها، أشد ما ألمني وحيرني كان توقفها المشروع أمام سؤالها الأوحد التالي : "لماذا أعطاني الآب هذه الحياة؟ لماذا سمح لي بها؟"، وكانت الأسئلة التالية هي كل ما أملك من إجابة لسؤال حياتها العويص هذا:
ترى هل من يملك الإجابة على هذا السؤال؟
هل من يستطيع أن يقول أن حياة كهذه خرجت من دائرة سلطان الآب، ضابط الكل، أو حدثت رغماً عنه أو دون سماح منه؟
هل نستطيع أن نثق أن مثل هذه الأشياء وغيرها تعمل معاً للخير لمصلحة أي إنسان؟
هل نستطيع أن نرتكن ونستند إلى ثقة إيمانية ثابتة وراسخة خلف هذه الأشياء عن صلاح الله وعدله إن لم يكن هناك ثمة تفسير، حتى أننا نستطيع أن نقف على أقدامنا ولا ننكسر ونستمر في هذه الحياة دون أن نطرح ثقتنا؟
هذا هو غموض الحياة وإبهامها الذي سمح به الله.
ولكل من أرهقهم هذا الغموض وحيرهم إبهام الحياة، ومع ذلك يريدون الثقة بالله، فإني أقترح عليهم الحصول على الكتاب اللاهوتي الرائع التالي وقراءته عدة مرات:
"الثقة بالرب في مواجهة آلام الحياة" لمؤلفه جيري بريدجز، نشر لجنة خلاص النفوس للنشر (الكتاب السنوي رقم 42 لعام 2002).
مشير سمير
مؤسس ومدير
"خدمة المشورة والنضج المسيحي"
ماجستير في المشورة المسيحية
لويزيانا – الولايات المتحدة الأمريكة
"يظن الكثيرون أن الألم استثناء في الحياة المسيحية، وعندما يتألم انسان يتساءل: "لماذا أنا؟"، مستشعراً أن الله قد تخلى عنه، أو ربما مستشعراً أن الله لا يمكن الاعتماد عليه كما يقولون. إلا أننا، في الحقيقة نحيا في عالم شرير. والحياة فيها الكثير من الألم والمعاناة، حتى للمؤمنين. لكن مازال الله يضبط الكل. فهو يسمح لبعض المسيحيين بالاستشهاد من أجل الإيمان. كما يسمح للبعض الآخر منهم باجتياز الاضطهاد دون أن يموتوا. وبدل أن تسأل: "لماذا أنا؟"، من الأجدر والأفيد أن تسأل: "لماذا ليس أنا؟" إن الإيمان والعالم في صدام مستمر. فإذا توقع الإنسان الألم والمعاناة فإنه لن يُصدم لو تألم."
(التفسير التطبيقي للكتاب المقدس-
التعليق على "عب11: 35-38")
أما عن "أزورا" فدعونا نقرأ الفقرات التالية:
جلست طفلة داخل قلعة جميلة يحيط بجدرانها الخارجية خندق مائي. لم يكن هنالك مخرج؛ كما أنها لم تستطع السباحة، وهكذا عاشت وحيدة في القلعة، دون أن تعلم قيمة الكنز المخزن بأمان داخل القلعة.
جلست الفتاة في الساحة وبكت، تكونت دمعة كبيرة في عينها، وانزلقت ببطء عبر وجنتها متبلورة. وقد ضاعت نعومتها أثناء اكتسابها لون وازدياد حجمها، ولدى سقوطها عن ذقنها كانت صلبة. التقطت الصبية ياقوتة جميلة من حجرها، ونهضت بحزن ثم دخلت حجرة من حجراتها الكثيرة، حيث وضعت كومة من المجوهرات، التي أتت كلها من عينيها، إلا أن كل واحدة منها فريدة لم تتكرر من قبل.
كم استغرقت تبكي، لم تعلم. ساعات؟ أيام؟ أمسى الوقت بلا معنى. المقياس الوحيد للوقت كان كومة الأحجار. في نهاية الأمر أخيراً هبط الهدوء عليها، وحاطها الصمت من كل جانب، ولفها سكون داخلي.
... دعاها باسمها. لم ترد إذ كانت غير متأكدة مما يجب أن تفعله، لكنه استمر في النداء بشكل مستمر متكرر. أخيراً أجابت من خلف الجدار، فسألها:
"أين أنتِ؟ لماذا لا يمكنني أن أراكِ؟"
أجابته:
"لا يمكنني مواجهتك."
"لم لا؟ هل أنتِ خائفة مني؟ ما الذي تغير منذ الليلة الماضية؟"
"لقد أدركت أنه لا ثياب لدي لتغطيني. أنا عارية ولا يمكنني مواجتهك."
"آه، هل هذا كل ما هنالك؟"
وضحك يوشيا، ثم أكمل:
"لقد ظننتكِ شجاعة جداً بالأمس لتخطي للأمام بشجاعة. لا حاجة لكِِ لتخافيني. إنني لا أضع أي قيمة لما يرتديه المرء. خرقة أو رداء نفيس أو لا شيء على الإطلاق، لا يهم. سأريك."
... بعد الظهيرة امتلأ قلب أزورا بالألم. كان أجمل من أن يكون حقيقة. كان ينبغي عليها أن تدرك هذا. إنه من المقدر لها أن تبقى سجينة تلك الأسوار. ملأت الدموع عينيها فقد لفت الوحدة نفسها حولها مرة أخرى. رقدت تحت الشمس الدافئة، وشعرت فقط بحضنها البارد. ضحك الصمت عليها، ساخراً من آمالها وأحلامها. وانسحبت في نوم تلاحقه الأفكار.
... لم ترغب المرأة في لمس الطفلة، لكن جشعها دفعها لهدهدة الطفلة في حنان زائف ساخر، ومارست شعائرها يومياً، لتتم مكافأتها فقط بالدموع التي تذرفها الطفلة لدى فراقها."
كم مر عليها من زمن وهي تتجول في أنحاء القلعة؟ لم تعلم أزورا، وقد فقدت إحساسها بالزمن. مر عليها ساعات، أيام، ربما تكون أسابيع. مرتبكة، ضائعة، مفعمة بالأسئلة التي من غير الممكن إجابتها، فقط تابعت التحرك. كان لابد من ذلك، أو ترقد وتنام للأبد، دون أن تنهض أبداً. أوقات كثيرة حاولت أن تفعل هذا الأمر، لكن قوة غير معروفة أعاقتها عن ذلك.
حملقت في كومة المجوهرات، وعما تمثله. ذهبت للحجرة التي بها أصغر مجوهرات وتخيلت شكل الرضيعة التي صنعتهم، وشق شيء ما روحها عندما حاولت إدراك ما كانت تشعر به هذه الرضيعة. يا لها من لعنة مرعبة ملقاة على مجرد طفلة لتخوضها؟ العجوز كانت محقة عندما قالت أنه من الأفضل أن يدمراها. ما نفع كل تلك المجوهرات؟ ما نفع حياتها؟ لم ينتفع أحد من هذا الأمر، لا أحد!
فجأة انفطر من داخلها انفجاراً عنيفاً، وركضت صوب المجوهرات، تصرخ، وغمرت نفسها داخل كومتها، غائصة داخلها، والقت بالأحجار في كل اتجاه. طارت الأسئلة من عقلها كلما حفرت أعمق وأعمق وغاصت أكثر وأكثر داخل الكومة العملاقة للجواهر. لم تلحظ أو تهتم أن الجواهر كانت تمزق لحمها؛ إذ لم تشعر بشيء سوى كراهية الأحجار.
"أي خير أنتِ؟! لقد جلبتِ فقط الموت! أنا أكرهك!"
واستمرت تتقيأ كلمات سامة حقودة على الجواهر الثابتة. لم يكن لديها منفذ آخر تطرد فيه تلك الكلمات. وقد ضاعت ثورة غضبها على ما لا يَسمع، على ما لا تعني قوة صوتها له شيئاً. لم تخلق كلماتها سوى أصدائها. مرة أخرى من جديد صارت محاصرة في صمت وعزلة قلعتها. لم يكن هنالك غاية للاستمرار.
... نظرت أزورا لأسفل إلى حيث يديها، اللتان توهجتا عند انعكاس الضوء على الجوهرتين الكائنتين تحت لحمها.
"أنا لا أريدكِ. أنا أكرهكِ. أريدكِ خارجي."
صرخت أزورا وهي تمزق لحمها. انتزعت حجر حاد، وحفرته بعمق داخل بشرتها في واحدة من يديها حتى انكشفت الجوهرة. حاولت أن تنتزعها بصعوبة، فلخلختها متجاهلة الألم. ومهما حاولت من جهد بقوة، لم تتحرك. يبدو أنها انصهرت مندمجة مع نخاع عظامها.
انهارت أزورا في وسط القلعة، تنشج وتتنفس بأنفاس سريعة بشكل هستيري.
"لا أفهم. لماذا لعنتني؟ ماذا فعلت؟"
هكذا صرخت مخاطبة الهواء. ومع ذلك فكل دمعة جلبت جوهرة أخرى، فرمتها تجاه الجدار.
"لاااا!!!"
صرخت وهي تلقي الأحجار حتى انهارت من فرط الإرهاق، غير قادرة على الحركة أو الشعور.
... والتفت الشافي إلى أزورا، وقال:
"إننا في حاجة إلى التحدث عن جرح صدركِ. لأنكِ إذا أردتِ أن تعيشي وتظلي هنا معنا، عليكِ أن تختاري قبول الحجر. رفضكِ إياه معناه الموت."
"لا."
أنبأته في غضب، فقال في رفق:
"أزورا، ليس هناك خيار آخر."
"هل يمكنه في يوم أن يذهب عني؟"
"لا، إنه جزء منكِ. سيظل معكِ دائماً."
توسلت إليه:
"لكنني لا أريده. ألا توجد طريقة أخرى؟"
... مأساة عودتها للعزلة صارت توقظها ليلة بعد أخرى. ولدى رقادها في الظلام، ملأ ألم ساحق صدرها، ورأت توهج أحمر عميق خلف جلدها. نشجت في الظلام، وناضلت لتجعل صرخاتها صامتة، وقد أثبط همتها أن تشعر بنمو كومة من الجواهر بجانبها. وفي كل صباح وجدت مكان لتخفيها فيه، كيلا يعرف يوشيا والشافي بالأمر، فلم ترد أن تخيب أملهما بعد أن ظنا أنها تحسنت.
... ذات صباح أعلن الشافي:
"لقد حان الوقت لتغادري هذا المكان، يا كارا."
"أنا أثق به." هكذا همست وهي تغلق باب المنزل بشكل نهائي. ضد كل المعارضات الداخلية، أمسكت بيد الشافي، ومشت في اتجاه الطريق، وأعلنت له بتصميم:
"سأتبعك وأتعلم منك، حتى لو قادني الأمر لموتي. ليس هناك ما يمكنه الحلول بجسدي أسوأ من ركود الموت الذي خلقته القلعة داخلي. أريد أن أكون حية، ولا أريد أن أكون وحيدة. سأثق بك."
ولم تنظر للخلف.
وهكذا تحكي "ج. د." قصتها مع المشورة والعلاج من خلال "أزورا" والتي ساعدها المشير الذي دعته "يوشيا"
أدعوك عزيزي القارئ للتعرف على "أزورا" وقصتها التي قد تجد نفسك كثيراً فيها، فهذا ما نجحت به الكاتبة، أن لا تجعلها مأساة خاصة بل قصة عامة لكل من يتألم في وحدته لعله يجد الطريق نحو الشافي والرجاء في مستقبل مختلف، وهذا فعلاً ما شهد به جميع من قرؤوا هذه القصة، دون استثناء.
*****
---------
لشراء الكتاب و التوصيل، يٌرجي التواصل علي الرقم التالي
موبايل وواتساب+2 0122 770 8916