يمكنك تقييم هذا الموضوع بالسطر السابق: ضع تقديرك له من 1 - 5 درجات ثم اضغط على Rate . أيضاً يسرنا تلقي تعليقاتك الخاصة بنهاية الصفحة
التحرش الجنسي على الأطفال يمثل 18% من إجمالي الحوادث المتعلقة بالطفل.
التحرش الجنسي من الممكن أن ينتهي بالطفل إلى الشذوذ (المثلية)
الثقافة الجنسية في المدارس تساهم في القضاء على التحرش.
الاغتصاب جريمة بشعة ولكنها أكثر بشاعة حين تحدث مع طفل، فهي انتهاك للبراءة وكسر لكل القواعد الأخلاقية، فالجاني يستغل سذاجة الطفل وينفذ من خلال ثقوب جهله لكي يشبع رغباته القذرة ويرضي نزواته الوحشية، إنه عدوان على أبسط القيم حين يكتسح بلدوزر حيواني فراشة ملونة. إنه افتراس للأمان والحب حين ينشب دراكيولا أنيابه الدموية في برعم زهرة مازالت تتفتح، إن التحرش الجنسي بالأطفال هو قتل مع سبق الإصرار والترصد للنبل والشفافية والطهر والصفاء وقبلها قتل للإنسانية.
ألحت عليّ هذه المعاني بمناسبة جرائم الاغتصاب التي نقرأ عنها كل يوم في الصحف، ولابد من إدانة الاغتصاب والتحرش أيضاً، ومعنى التحرش الجنسي أوسع من مفهوم الاستغلال الجنسي أو الاغتصاب البدني فهو يقصد به أشياء كثيرة منها: كشف الأعضاء التناسلية، إزالة الملابس والثياب عن الطفل، ملامسة أو ملاطفة جسدية خاصة، التلصص على طفل، تعريضه لصور فاضحة، أو أفلام، أعمال شائنة غير أخلاقية كإجباره على التلفظ بألفاظ فاضحة، والاغتصاب.
لكن هل التحرش الجنسي ظاهرة تستحق الدراسة ويستلزم نشر مقالات للتعريف بها وبأخطارها؟ الإجابة بالطبع نعم وتدعم إجابتي بالموافقة الأرقام وأيضاً بشاعة السيناريو الذي يؤدي به التحرش. أما عن الأرقام وبالطبع إحصائياتنا العربية في هذا المجال قليلة بل نادرة نظراً لأسباب كثيرة من أهمها الخجل سياسة النعامة في دفن الرأس في الرمال. ونجد أنه في مصر على سبيل المثال تشير أول دراسة عن حوادث التحرش بالأطفال في مصر أعدتها الدكتورة "فاتن عبد الرحمن الطنطاوي" – أستاذ الإعلام المساعد في معد الدراسات العليا للطفولة بجامعة عين شمس – إلى أن الاعتداء الجنسي على الأطفال يمثل 18% من إجمالي الحوادث المتعلقة بالطفل، وفيما يتعلق بصلة مرتكب الحادث بالطفل الضحية أشارت الدراسة إلى أن النسبة هي 35% من الحوادث يكون الجاني له صلة قرابة بالطفل الضحية، وفي 65% من الحالات لا توجد بينهم صلة قرابة.
تتعدد المضاعفات الجسدية والنفسية للتحرش الجنسي بما لا يمكن حصره في هذا المقال ولكن سنحاول تلخيص مثل هذه المضاعفات بشكل سريع حتى نلمس عن قرب مدى التدمير الذي يسببه هذا التحرش في روح الطفل قبل جسده، فالأعراض الجسمية وهي الأقل تدميراً والأسرع التئاماً تشمل الالتهابات الناشئة عن الاعتداء، التي لم تعالج في الوقت الناسب نتيجة للخوف والخجل الذي يزيد من معاناة الطفل، وناهيك عن الاضطرابات المعوية التي تصيبه، فضلاً عن الالتهابات التي تنشأ في الأجهزة التناسلية، والنزيف الذي ربما يحدث في المناطق التي تعرضت للاعتداء، أما الآثار النفسية الأخطر فيلخصها علماء وأطباء النفس في نقاط أهمها الشعور بالذنب الذي يسيطر على الطفل، واتهامه لنفسه بعدم المقاومة، وهذا الشعور هو أبو الكوارث والمصائب النفسية جميعها التي من الممكن أن تصيبه لاحقاًً ما لم يتخلص منه. والغريب أن المجتمع يساهم في تأصيل مثل هذا الشعور وتأكيده عن طريق نظرته إلى ما حدث للطفل المعتدى عليه بأنه فضيحة هو مسئول عنها، ناهيك عن توبيخ الأسرة له التي من المفترض أنها مصدر أمان له، ومطالبته بالسكوت، خاصة إذا كان المعتدي من أفراد العائلة، وهذا كله يجعل الطفل يفقد الثقة في نفسه وفي أسرته وفي المجتمع بشكل عام الذي لم ينصفه وهو المظلوم المعتدى عليه. ومرحلة الطفولة تكون من المراحل المبكرة للنمو النفسي لدى الإنسان، وأي اختلال فيها كهذا الموقف يؤدي إلى زيادة إمكانية تعرض هذا الطفل لشتى أنواع المرض النفسي، وقد يشكل الطفل نفس سلوك الجاني بالاعتداء على آخرين كنوع من الانتقام، فالطفل الذكر ربما يتوحد مع الجاني ويأخذ طريقه إلى الشذوذ، ناهيك عن حالات الخوف والقلق التي تلازمه طوال حياته. أما الأنثى، فإن أكثر ما ينعكس على حياتها من جراء خوفها من الرجال عموماً، والرهبة دون أسباب واضحة، والخوف من المستقبل، والخوف من العلاقة العاطفية الخاصة في الزواج، وتخاف من لمس الأماكن الحساسة في جسدها، لأن ذلك يحرك مخاوفها القديمة الراكدة، وقد يتولد للمرأة أيضاً شذوذ جنسي ربما بشكل غير مباشر، فتترك الرجل، وتميل إلى جنسها حين تشعر بالأمان، وكثير من العلاقات في الزواج تـُدمَر بسبب تحرش جنسي على المرأة حين كانت طفلة، حتى إن كان مجرد لمس جارح لملابسها، فالموقف برمته يحدث شرخاً بداخلها.
لابد أن يفهم الطفل ويُقال له جسمك شيء خاص بك وخاصة الأجزاء التي تغطى بالملابس الداخلية سواء كنت ولداً أم بنتاً، إذا طلب منك أحد أو تحايل عليك ليجعلك ترضى بأن يلمس أو يرى أو يصور هذه الأجزاء من جسدك فإنه يعتدي عليك جنسياً، وإذا طلب منك أحد أن تلمس أنت أو ترى هذه الأجزاء أو صورها فهذا أيضاً يعني أنه يعتدي عليك جنسياً، ولكن أحياناً يحتاج طبيبك أن يلمس أعضائك الخاصة لغرض الكشف الطبي، فهذا لا يعتبر اعتداء جنسياً، وعندما يحتاج الأطفال الصغر للاستحمام والتنظيف وهم لا يستطيعون القيام بذلك بأنفسهم، هذه الأنواع من اللمسات لا تعتبر اعتداء جنسياً فهذه اللمسات لا تجعل الطفل يخاف أو يشعر بعد الارتياح.
التوعية الجنسية يجب أن تبدأ من العائلة بما ينسجم مع أعمار الأطفال وتتكامل هذه التوعية في المدارس وذلك بتدريس هذا الموضوع بشكل علمي، وتوزيع كراسات على الآباء والأمهات لتوعية الأطفال وإفهامهم بأن تلك السلوكيات مرفوضة دينياً واجتماعياً وأخلاقياً...الخ، ولابد أن نطمئن القراء أن الحل ليس مستحيلاً وأن العلاج ميسور، فالكثيرون ممن تعرضوا لاعتداءات مختلفة تخلصوا من تلك الصراعات والمعاناة، ومارسوا حياتهم بشكل طبيعي، وتزوج البعض منهم وأنجبوا أطفالاً، ولم يكن لديهم مزيد من الانحراف وذلك بالعلاج والعزيمة وعدم خجل الأهل والاحتواء النفسي في الوقت المناسب.
الحماية من التحرش الجنسي سهلة وبسيطة وتحتاج فقط إلى مزيد من الوعي، ويلخص الأطباء النفسيون طرق هذه الحماية فيما يلي:
- توعية الأبناء منذ الصغر وبشكل صريح بعيد عن الابتذال وأن تكون التوعية حسب عمر الطفل وتكون مبسطة جداً من الصغار وبتوضيح أكثر مع الكبار. ينبغي مراقبتهم عند اللعب خاصة عندما يختلون بأنفسهم فقد يفعلون أشياء تعتمد على التقليد للكبار وببراءة.
- لا يسمح للأطفال اللعب مع الكبار والمراهقين (بمفردهم) لئلا يحدث المحظور عن طريق الاستغلال والاعتداء والانحراف وهذه هي الطامة الكبرى، وينبغي على الوالدين الحرص والحذر الشديد أثناء ممارسة العلاقة الجنسية فيما بينهما وأن يسيطرا على كل مجال يتيح التلصص لأبنائهما أو سماع صوتهما لأن حب الاستطلاع لدى الأبناء بهذا الخصوص شديد جداً، وتجنب التحدث أو التشويق أو الإثارة الجنسية مهما كان نوعها.
- لتشجيع الطفل على التصريح والكشف عن أي تحرش جنسي يحدث له، على الأبوين أن يحيطا الطفل بالحنان والحب ويزرعا الثقة بينهما وبين أطفالهما، ويجب الابتعاد عن زرع الخوف في نفوس الأطفال بحيث لا يستطيع الطفل أن يكون صريحاً مع والديه نتيجة لذلك الخوف، وأن تكون الأم قريبة لابنتها كي تساعدها على حل مشاكلها فليس هناك فتاة بدون مشاكل وقد تكون بين تلك المشاكل مشكلة التحرش الجنسي بكل أنواعه من الكلام إلى الفعل عندها تستطيع الأم أن تقدم النصائح لابنتها، ويجب أيضاً أن يكون الأب قريباً لابنه كي يفصح له عما يجول بخاطره.
الحل ببساطة هو مزيد من الصراحة قليل من الخوف حتى يتمتع الطفل بحياة جسدية ونفسية وجنسية سليمة، وحتى لا تسمم هذه الأعشاب الطفيلية الضارة نهر الطفولة الصافي الذي دوماً يروي الخير والبراءة والأمل.
د. خالد منتصر
من كتاب "تواصل لا تناسل"