قام عالم أمريكي اسمه "ستانلي ملغرام" بعمل تجربة شهيرة اسمها "تجربة ملغرام" لكي يقيس بواسطتها مدي انصياع البشر لسلطة ما تبدو موثوق فيها وذلك لتنفيذ أشياء تتعارض تماماً مع الضمير والعقل. ويقول العالم عن نتيجة التجربة "تفوز السلطة في هذا التحدي بشكل لا يمكن تصوره".
أحضر هذا العالم مجموعة مختلفة من الرجال بدعوي إجراء تجربة لقياس "تأثير العقاب علي العملية التعليمية" في إحدى الجامعات المشهورة الموثوق بها في أمريكا. ولكن الحقيقة أنه لم يكن يقيس هذا الأمر لكنه كان يقيس أمراً آخر. كان كل الرجال المشاركون متطوعون لا يعلمون أن الأمر كله خدعة لقياس أمر آخر وهو "مدي انصياع البشر لسلطة موثوق فيها لتنفيذ أمور تتعارض مع العقل والضمير". أحضر ملغرام ممثلون يساعدونه في إجراء التجربة وحبكها بشدة لخداع المشاركون المتطوعون.
وتقتضي التجربة أن يقوم أحد المتطوعون بدور المدرس ومتطوع آخر بدور الطالب ويقوم مشرف من الجامعة بالإشراف علي التجربة. يوضع القائم بدور الطالب في غرفة منفرداً ويوجه له المدرس أسئلة وإذا أخطأ في الإجابة يضغط المدرس علي زر معين لكي يعاقبه عن طريق توجيه صعقة كهربية له تزداد تدريجياً مع كل خطأ بدئاً من 30 فولت وحتي 450 فولت.
كان هناك ممثلاً يقوم بدور الطالب، وآخر يقوم بدور مشرف من الجامعة. كان الأمر يتم بأن تجري قرعة وهمية بين الطالب (الممثل) والمتطوع لتحدد من هو الطالب ومن هو المتطوع الذي سيقوم بدور المعلم. ونتيجة القرعة دائماً أن المتطوع الذي لا يعلم ما يدور يكون هو المعلم والممثل يكون الطالب.
لم يكن هناك صعق فعلي بل كان هناك تسجيل لأصوات صعق كهربي وأخري متزامنة لها بصوت الممثل وهو يصرخ من الصعق ويترجي المدرس (المتطوع) أن لا يصعقه مرة أخري ويشرح له أن قلبه ضعيف وأنه من الممكن أن يموت بسبب الكهرباء. وأنه لن يستطيع تحمل صعقة أخري وأن الأمر مؤلم جداً. وفي بعض الأحيان كان يقرع علي الحائط الذي بين الغرفتين مترجياً إنها التجربة.
في هذه الأثناء يقوم المشرف (السلطة) الذي يمثل الجامعة وهو ممثل آخر بتوجيه المتطوع (المدرس) إلي إكمال الاختبار للنهاية مؤكداً له أنه ليس هناك أدني مسئولية تقع عليه وأن الجامعة هي التي تحمل المسئولية كاملة وأنه لا يمكنه التوقف عن الاختبار. ومن العجيب أن النتائج تؤكد أن 100% من المتطوعين قد وصلوا لصعق الطالب بـ 300 فولت قبل أن يبدوا رغبة حاسمة في إنهاء الاختبار. وأن 65% قد استطاعوا إكمال الاختبار للنهاية وصعق الطالب بجهد كهربي 450 فولت في وجود مشرف من الجامعة يمثل السلطة الموثوق بها.
ولكن تقل نسبة الانصياع هذه للثلث، إن لم يكن المشرف الجامعي موجوداً في نفس الغرفة مع المتطوع. أي أنه في ظل تواجد سلطة موثوق فيها تزيد الطاعة لأداء عملية الصعق الكهربي لإنسان برئ بجهد 450 فولت بنسبة 200%. أي تأثير هذا لسلطة موثوق فيها تأمر بالاستمرار في عملية الصعق وتنفي عن المتطوع المسؤولية وتحملها بدلاً منه؟
والأعجب أن 85% من المتطوعين أقروا أنهم سعداء بالاشتراك في التجربة وذلك دون أن يعلموا أنها تمثيلية.
ويقول ملغرام "لقد قمت بإجراء اختبار بسيط لقياس كمية الألم التي يمكن لشخص عادي أن يسببها لشخص آخر، تنفيذا لأمر صدر عن عالم يشرف على اختبار، سلطة مجردة تتعارض مع مبدأ (عدم إيذاء الآخرين) وهو ما يفترض أنه أحد أشد أخلاقياتنا صرامة، هذا (المبدأ) وتلك (السلطة) يلتقيان في تحدٍ سافر على صدى صرخات الضحية (الممثل) وتفوز السلطة في هذا التحدي أكثر مما يمكن لنا تصوره."
لقد أدي وجود سلطة موثوق بها إلي تغييب عقل كل المتطوعين لإجراء عملية تعذيب بالصعق الكهربي بجهد 300 فولت لشخص آخر بريء تماماً. وقام أيضاً 65% من المتطوعون بصعق الطالب بجهد 450 فولت في ظل نفس السلطة. لقد ألقوا بمسئولية التفكير واتخاذ القرار لمشرف الجامعة كسلطة أعلي موثوق بها وتعطل عقلهم وضميرهم وقاموا بأمر وحشي مدمر لشخص بريء. لقد تم تغييب عقلهم تماماً. وأصبحوا في حالة أخلاقية أقل من الحيوان.
يقول ملغرام:
"النتائج كما تابعتها في المختبر، مقلقة، إنها ترجح أن الطبيعة البشرية غير جديرة بالاعتماد عليها لتبعد الإنسان عن القسوة، والمعاملة اللاإنسانية، عندما تتلقى الأوامر من قبل سلطة فاسدة. نسبة كبيرة من الناس مستعدون لتنفيذ ما يؤمرون دون أخذ طبيعة الأمر بعين الاعتبار، وبدون حدود يفرضها الضمير، مادامت|الأوامر صادرة عن سلطة شرعية."
إذا تمكن في هذا الاختبار، مشرف مجهول، من أن يوجه الأوامر لمجموعة من البالغين لقهر رجل في الخمسين من عمره، وإخضاعه لصعقات كهربائية مؤلمة رغم احتجاجاته ومرضه لا يسعنا إلا أن نتساءل عما تستطيع الحكومات بما لها من سلطات أوسع بكثير أن تأمر به .
اقرأ المزيد عن التجربة من ويكيبيديا
شاهد التجربة مسجلة على يوتيوب
http://www.youtube.com/watch?v=n2vQ7qz62VY