هناك دراسة تُشير إلى أن الفن يعزز صحتنا النفسية[1]Mental Health، حتى ولو لم يكن الشخص ممارسُا محترفًا له.
لسنا كلنا محترفي الفن، لكن بإمكاننا جميعًا أن نلون وننحت ونرسم ونبتكر الرسوم التصويرية، وأن نبدع أشكال مختلفة من الفن. وبطبيعة الحال، سنجد أن هناك من هم أكثر موهبة، بشكل فطري، عن الآخرين، لكن هذا لا يهُم. فقط عليك أن تقوم بالأمر إن كنت تستمتع به. لست مضطرًا أن تكسب عيشك منه، وحتى إن لم تكن واثقًا من أنك ستستمتع به، فلا يزال عليك ممارسة الفن أيضًا. وليس فقط لأن هناك احتمال أن يعجبك الأمر، وبل وأيضًا لأن هناك إمكانية لجعلك أكثر صحة نفسية، بالفعل كما قرأتها: أكثر صحة نفسية، وقد أظهرت البحوث ما يلي:
١- هناك تأثير إيجابي للفن والموسيقى على حالات الجسم الفسيولوجية[2][3]. حيث يمكن أن يحسن الفن من مقاومة مرضى سرطان الثدي. وقد أشارت إحدى الدراسات إلى أن الفن يقلل من المشاعر الوجدانية والأحاسيس الجسدية السلبية وينمي الإيجابية منها[4].
٢- يمكن للفن أن يعمل في صالح الإنسان ويُحسن من سلامة صحته بشكل شامل، وذلك من خلال تقديم شكل من أشكال التسلية/الإلهاء[5]distraction، وتدعيم الهوية الذاتية self-identity وتوفير تواصل إجتماعي داعم لأولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة.
٣- وهناك دراسة حديثة أُجريت[6] عام ٢٠١٦، تحت عنوان "استجابات المشاركين اللاحقة للقيام بالأعمال الفنية وخفض مستويات الكورتيزول[7]Reduction of Cortisol Levelsand Participants’ Responses Following Art Making"، حيث أشارت تلك الدراسة إلى أن ممارسة الفن يمكنها أن تقلل من مستويات الإجهاد والضغط النفسي بدرجة كبيرة، وذلك بغض النظر عن درجة الموهبة أو حجم الخبرة الفنية[8].
وقد كانت هذه النتيجة مفاجئة بشكل ما على الرغم من كونها متوقعة، هكذا قالت كايمِل[9]Kaimal (المشرفة على الدراسة) لجامعة دريكسلDrexel Now[10]:
’’لم يكن الأمر مفاجئًا لأن هذه هي الفكرة المحورية التي يقوم عليها العلاج بالفن ArtTherapy: الجميع مبدعون ويمكنهم أن يجيدوا التعبير عن أنفسهم من خلال الفنون المرئية[11]VisualArts عندما يعملوا في بيئة داعمة. ومع ذلك، فقد توقعت أن يكون هناك تأثير أقوى على الذين أكتسبوا خبرة سابقة بشأن هذا الأمر.‘‘
التجربة[12]
شملت الدراسة ٣٩ طالبًا (٣٣ امرأة و٦ رجال)، تتراوح أعمارهم بين ١٨ و٥٩ عامًا. وقد كان هناك تمثيل متنوع للمشاركين: فقد أفاد ١٨ طالبًا[13] عن حيازتهم لخبرة سابقة محدودة بممارسة الفنون، و١٣ طالبًا عن حيازتهم للقليل من الخبرة، و٨ طلاب عن حيازتهم لخبرة شاملة.
وقد تضمنت الدراسة جلسة مدتها ساعة، وأقتُطع منها ١٥ دقيقة من أجل تقديم إقرار مواقفة المُشارِك consent وجمع البيانات، قبل وبعد الجلسة. وقد تم الاستفادة من الـ ٤٥ دقيقة المتبقية في ممارسة الفن art-making. وقد أخذ التعبير الإبداعي شكلالمُلصقات/الكولاج[14]collages،وصنع أشكال من الطين/الصلصال claymodelling و/أو استخدام الأقلام الملونة. ولم يتم تقديم أي توجيهات للمشاركين، بل استخدم كل مشارك المواد التي يرغب بها في العمل الفني الخاص به.
وقد أبتكر المشاركون عمل فني من اختيارهم باستخدام الوسائط الثلاث[15] (منفصلة أو مجتمعة). وقد كان معهم بالغرفة مُعالج بالفن ArtTherapist من أجل التعامل مع استفساراتهم أو من أجل تزويدهم بما يطلبونه من المواد.
وقد أُخذت عينات من لعاب المشاركين قبل وبعد التجربة، من أجل قياس مستويات الكورتيزول[16].
ويُعد هرمون الكورتيزول مؤشر بيولوجي يرتبط طرديًا بالإجهاد والضغط النفسي، كلما زاد مستوى الإجهاد، كلما زاد إفراز هذا الهرمون في الدم، والعكس صحيح.
ولم يقتصر الأمر على إجراء تحليل إحصائي فحسب، بل طُلب من المشاركين أيضًا تقديم وصف كتابي مُختصر عن تجربتهم. وقد ذكرت سيدة من أصل أفريقي تبلغ من العمر ٣٨ عامًا بعد اشتراكها في تلك التجربة، ما يلي:
’’لقد كان ذلك باعثًا على الاسترخاء. بعد حوالي ٥ دقائق، شعرت بأن قلقي وتوتري يقل. أصبحت أقل هوسًا/انزعاجًا بشأن الأمور التي لم أفعلها أو الأمور التي يجب فعلها. إن ممارسة الفن سمحت لي بأن أضع الأشياء في نصابها الصحيح.
لكن سجل ٢٥% تقريبًا من المشاركين مستويات أعلى من الكورتيزول عن تلك التي بدأوا بها -ولا يعد هذا بالضرورة أمرًا سيئًا.
وتوضح كايمِل Kaimal (المشرفة على البحث): ’’إن قدر ما من هرمون الكورتيزول هو أمر ضروري وحيوي من أجل الأداء الوظيفي للكائن الحي. على سبيل المثال، سنجد أن مستويات الكورتيزول تختلف في أجسامنا على مدار اليوم، حيث يبلغ مستوى الكورتيزول أعلاه في الصباح كي يعطينا دفعة طاقة قوية في بداية اليوم. وقد يكون السبب وراء ارتفاع نسبة الكورتيزول بعد انتهاء التجربة عند بعض الأفراد، هو أن ممارسة الفن قد أدت إلى حالة من اليقظة/الإثارة arousal و/أو المواجهة/التورط engagement داخل المشاركين في تلك الدراسة.‘‘
وقد اعتقدت كايمِلوفريقها، قبل البدء في تلك الدراسة، أن نوع المادة المستخدمة في العمل الفني من قِبَل المشاركين قد تؤثر على مستويات الكورتيزول. لقد تصوروا أن المواد/الوسائط الأقل تنظيمًا -مثل الصلصال أو الرسم بأقلام التلوين- ستؤدي إلى انخفاض مستويات الكورتيزول أكثر من المواد الأكثر تنظيمًا -مثل الكولاج. غير أن النتائج لم تدعم هذا التصور، حيث لم يُعثر على أي ترابط ذو أهمية بينهما.
وقد أشارت الدراسة إلى وجود علاقة ضعيفة بين العمر ومستويات الكورتيزول المنخفضة. فقد أظهر المشاركون الأصغر سنًا مستويات منخفضة من الكورتيزول بشكل مستمر بعد ممارستهم للفن.
وقد جعلت تلك النتائج كايمِل تتسائل وتفكر في كيفية توظيف الفنون الإبداعية من أجل مساعدة طلاب الجامعات والمدارس الثانوية في التعامل مع الضغوط.
النتائج
قلَت مستويات هرمون الكورتيزول كثيرًا عقب تلك الجلسة. وفي الواقع، أظهر ٧٥% من المشاركين مستويات أقل من الكورتيزول خلال الـ ٤٥ دقيقة الخاصة بممارسة الفن. لم تختلف مستويات الكورتيزول بناءًا على الخبرة السابقة للبعض في ممارسة الفن، أو نوع المادة المستخدمة في العمل الفني، أو العِرق أو حتى الجنس. وقد كانت هناك اختلافات (طفيفة) في مستويات الكورتيزول بناءًا على العمر والوقت الذي يتم فيه الممارسة من اليوم.
حيث قد أظهر الأشخاص الأصغر سنًا انخفاض أكبر في مستويات التوتر والإجهاد مقارنة بالأفراد الأكبر سنًا بعد ممارسة الفن. وتُقدم المشرفة على البحث التفسير التالي لهذا الأمر:
’’أعتقد أن أحد الأسباب هو أن الشباب لا يزالون، من الناحية التنموية/الارتقائية، يكتشفون طرقًا من أجل التعامل مع الضغوط والتحديات، في حين أن كبار السن -بعد أن قضوا هذا العمر وعاشوا حياتهم- قد تكوَن لديهم استراتيجيات أكثر لحل مشكلاتهم والتعامل مع الضغوط والإجهاد بشكل أكثر فعالية.‘‘
وفيما يتعلق بالوقت الذي يتم فيه الممارسة من اليوم -لا يزال البحث في هذا الأمر يشير إلى أن مستويات التوتر والإجهاد تكون أعلى في الصباح وتتناقص على مدار اليوم. ويمكن تفسير ذلك من خلال حقيقة أن الناس يستعدون ليوم حافل ويشاركون في جميع أنواع الأنشطة ومن ثم يسترخون في النهاية استعدادًا للنوم.
وتخطط المشرفة على هذا البحث لإجراءه بشكل موسع من أجل استكشاف العلاقة بين خفض مستويات الإجهاد والضغط النفسي وبين التعبير الإبداعي عن الذات في مناخ علاجي. وهي تخطط أيضًا لدراسة تأثير الفنون المرئية visualarts على المسنين ومقدمي الرعاية لهم.
وبالرغم من أن البعض منا قد يكون موهوبًا بالفطرة أكثر من الأخرين، إلا أن هذا حقًا لا يهم. كل ما عليك هو أن تبدع فنًا من أجل الاستمتاع، وأن تعي الفوائد العديدة لذلك.
ترجمة: د. مريم ميلاد
ترجمة خاصة لمكتب خدمة المشورة
المصدر:
- https://drexel.edu/now/archive/2016/June/Art_Hormone_Levels_Lower/.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[2]Trends Cogn Sci.: The neurochemistry of music.
[3]علم وظائف الأعضاء Physiology: هو علم يدرس وظائف أعضاء جسم الإنسان من خلال دراسة العمليات الحيوية الكيميائية والفيزيائية التي توجد بين أعضاء الجسم وخلاياه، مثل دراسة عمليات التنفس والهضم. وهناك علم آخر يُدعى علم النفس الفسيولوجي Physiologicalpsychology، وهو العلم الذي يدرس العلاقة بين السلوك البشري ووظائف الأعضاء وذلك من أجل إيجاد تفسير عضوي للسلوك الإنساني، عن طريق الأساس الفسيولوجي والبيولوجي للظواهر النفسية المختلفة، أو ما يسمى بـ "النفس"، وهي مجموعة من عمليات المعالجة المتطورة (الانفعال الوجداني والتفكير والسلوك) التي يقوم بها الدماغ. (المُترجمة)
[4]The Art in Psychotherapy:The efficacy of creative arts therapies to enhance emotional expression, spirituality, and psychological well-being of newly diagnosed Stage I and Stage II breast cancer patients: A preliminary study.
[5]Disability and Rehabilitation: ‘A lifestyle coat-hanger’: A phenomenological study of the meanings of artwork for women coping with chronic illness and disability.
[6]byKaimal et al,.
[7]هرمون يُفرز من قشرة الغدة الكظرية استجابة للإجهاد البدني أو النفسي. (المُترجمة)
[8]Art Therapy: Reduction of Cortisol Levels and Participants’ Responses Following Art Making.
[9]GirijaKaimal, EdD.
[10]DrexelNow: At Any Skill Level, Making Art Reduces Stress Hormones
[11]الفنون المرئية هي لفظ عام يُطلق على الفنون التشكيلية والفنون التعبيرية والفنون التطبيقية، وهي مجموعة الفنون التي تنتج أعمال فنية تشغل حيز من الفراغ (أي تأخذ شكلاً)، وتحتاج إلى الرؤية البصرية المحسوسة من أجل تذوقها، مثل الرسم والتلوين والنحت، وهي بالتالي التي يمكن قياس أبعادها بوحدات قياس المكان، وهي بهذا تختلف عن الفنون الزمانية كالرقص والشعر والموسيقى، وهي التي تُقاس بوحدات الزمن. (المُترجمة)
[12]https://drexel.edu/now/archive/2016/June/Art_Hormone_Levels_Lower/.
[13]أي أقل بقليل من نصف عدد المشاركين.
[14]أسلوب فني يقوم على تجميع صور وأشكال مختلفة من أجل لصقها لتكوين عمل فني جديد. (المُترجمة)
[15]المُلصقات والصلصال وأقلام التلوين. (المُترجمة)
[16]HuffPost: Study Says Making Art Reduces Stress, Even If You Kind Of Suck At It.