مقال[1] مُلخِّص لكتاب
"أبحاث ونظرية التعلق لدي البالغين"[2]
للمؤلف المشارك: بروفيسور/ ر. كريس فرالي R. Chris Fraley
لقد توجهت الأبحاث الخاصة بالتعلق لدى البالغين إلى الافتراض بأن النظام التحفيزي والذي يؤدي إلى رابطة عاطفية وثيقة بين الوالدين وأطفالهم هو نفسه المسؤول عن الرابطة التي تتطور بين البالغين في العلاقات العاطفية الحميمة. والهدف من هذا المقال هو تقديم لمحة موجزة عن تاريخ أبحاث التعلق لدى البالغين والأفكار النظرية الرئيسية ونماذج من بعض نتائج البحث. وقد كُتب هذا المقال للأشخاص الذين يرغبون في معرفة المزيد عن أبحاث التعلق لدى البالغين.
معلومات أساسية: نظرية التعلق "بولبي":
كان جون بولبي (1907 - 1990) هو أول من وضع نظرية التعلق، وهو محلل نفسي بريطاني كان يحاول فهم المعاناة الشديدة والتي يعاني منها الأطفال الصغار (الرُضَّع) الذين انفصلوا عن والديهم. لاحظ بولبي أن هؤلاء الأطفال الصغار (الرُضَّع) المنفصلين يقوموا بتصرفات استثنائية (وعلى سبيل المثال: البكاء، التشبث، البحث بشكل محموم) لمنع الانفصال عن والديهم أو لإعادة التقرب من الوالد الغائب.
وجادل بولبي بأنه على مدار التاريخ التطوري، فإن الأطفال الصغار (الرُضَّع) الذين كانوا قادرين على الحفاظ على البقاء بالقرب من رمز التعلق من خلال سلوكيات التعلق سيكونون أكثر عرضة للبقاء على قيد الحياة حتى العمر الإنجابي. ووفقًا لبولبي فالنظام التحفيزي والذي أسماه هو النظام التعلقي السلوكي قد "صمم" تدريجيًا عن طريق الانتقاء الطبيعي لتنظيم القرب من رمز التعلق.
النظام التعلقي السلوكي هو مفهوم مهم في نظرية التعلق لأنه يوفر الروابط المفاهيمية بين النماذج السلوكية للنمو الإنساني والنظريات الحديثة حول تنظيم المشاعر والشخصية. وبحسب بولبي فإن نظام التعلق "يطرح" أساسًا السؤال الجوهرى التالي: هل رمز التعلق قريب ويمكن الوصول إليه ومُهتم؟ فإذا أدرك الطفل أن الإجابة على هذا السؤال هي "نعم" فإنه يشعر بالحب والآمان والثقة، وغالبًا من الناحية السلوكية ما يكون منطلقًا ليستكشف بيئته ويلعب مع الآخرين وأن يصبح إجتماعيًا. غير أنه إذا ما أدرك الطفل أن الإجابة على هذا السؤال هي "لا" فإنه يعانى من القلق، وغالبًا من الناحيه السلوكية تنشط سلوكيات التعلق وتتراوح في شدتها من البسيطة، من المراقبة البصرية، إلى الناحية الأخرى الشديدة من الاحتجاج الشديد والمتابعة النشطة والإشارات الصوتية. وتستمر هذه السلوكيات حتى يتمكن الطفل من إعادة تأسيس مستوى مرغوب فيه من التقارب الجسدي أو النفسي من رمز التعلق، أو حتى "ينهك" الطفل، كما قد يحدث في سياق الانفصال أو الخسارة على المدى الطويل. في مثل هذه الحالات، يعتقد بولبي أن الأطفال الصغار يعانون من اليأس العميق والاكتئاب.
الفروق الفردية في أنماط التعلق عند الأطفال
وبالرغم من اعتقاد بولبي بأن الديناميكيات الأساسية التى ذكرت أعلاه قد غطت الديناميكيات المعيارية لنظام التعلق السلوكي، إلا أنه أدرك أنه هناك اختلافات فردية في الطريقة التي يقييم بها الأطفال الإمكانية للوصول إلى رمز التعلق وكيفية تنظيم هؤلاء الأطفال للسلوك التعلقي كإستجابة للتهديدات. ومع ذلك لم يتم التعبير عن تلك الاختلافات الفردية حتى بدأت زميلته ماري أينسورث "Ainsworth" (1913 - 1999) في دراسة حالات الانفصال بين الأطفال الصغار (الرُضَّع) والوالدين بشكل منهجي. طورت أينسورث وتلامذتها تقنية تسمى "الموقف الغريب strange situation" وهو نموذج معملى لدراسة التعلق بين الأطفال الصغار (الرُضَّع) والوالدين. وفي "الموقف الغريب strange situation"، يُجلب أطفال صغار (رُضَّع) فى عمر 12 شهر وآباؤهم إلى المعمل، وبطريقة ثابتة يتم فصلهم ومن ثم جمعهم ببعضهم مرة أخرى. في "الموقف الغريب strange situation" وُجِدَ أن معظم الأطفال (حوالي 60%) تتصرف بنفس الطريقةِ التي وردت فى النظرية "المعيارية" لبولبي. فينزعج الأطفال عندما يغادر الوالدان الغرفة ولكن عند عودة الوالد أو الوالدة يبدأ الطفل فى السعي بجدية نحوهما ويصبح من السهل لهما تهدئته. وفى الغالب يُطلق على الأطفال الذين يظهر عليهم هذا النمط السلوكى طفل "آمن secure". بعض الأطفال الآخرين (حوالي 20% أو أقل) يشعرون بعدم الارتياح وعند الانفصال ويصبحون في حالة من المعاناة الشديدة. والأهم من ذلك أنه عندما تم جمعهم مع والديهم مرة أخرى واجه هؤلاء الأطفال صعوبة فى أن يهدئوا وغالبًا ظهرت عليهم سلوكيات متضاربة تشير إلى الرغبة في أن تتم تهدئتهم ولكن في ذات الوقت يريدون أيضًا "معاقبة" الوالد على تركهم. وغالبًا ما يُطلق على هؤلاء الأطفال "القلِق-المعارض anxious-resistant". وأما النمط الثالث من أنماط التعلق الذي وثقته أينسورث وزملاؤها ويسمى المتجنب، فهؤلاء الأطفال (حوالي 20%) لا تظهر عليهم المعاناة الشديدة عند الانفصال، وعندما يتم جمعهم مع والديهم مرة أخرى فإنهم يتجنبون بجدية السعى للاتصال بوالديهم، وأحيانًا يحولوا انتباههم للعب بأشياء على أرضية المعمل.
العلاقات العاطفية للبالغين
بالرغم من أن تركيز بولبي في المقام الأول كان على فهم طبيعة العلاقة بين الأطفال الصغار (الرُضَّع) ومقدمي الرعاية، لكنه رأى أيضًا أن التعلق يميز التجربة الإنسانية من "المهد إلى اللحد". ولكن لم يبدأ الباحثون، وحتى منتصف 1980، في التعامل بجدية مع احتمالية أن عمليات التعلق قد تستمر إلى مرحلة البلوغ. كان هازان وشافير "Hazan and Shaver" (1987) من بين الباحثين الأوائل الذين استكشفوا أفكار بولبي في سياق العلاقات العاطفية. ووفقًا لهازان وشافير، فإن العلاقة العاطفية والتي تتطور بين شريكين بالغين لها، جزئيًا، نفس النظام التحفيزى (النظام التعلقي السلوكي) الذي يُحدِث الرابطة العاطفية بين الأطفال الصغار (الرُضَّع) ومقدمي الرعاية لهم. وأشار هازان وشافير إلى أن العلاقة بين الأطفال الصغار (الرُضَّع) ومقدمي الرعاية، والعلاقة بين الشركاء الرومانسيين البالغين، يشتركا في الخواص التالية:
- يشعر كلاهما بالأمان عندما يكون الآخر قريب ومتجاوب.
- ينخرط كلاهما في اتصال جسدى وثيق وحميم.
- يشعر كلاهما بعدم الأمان عندما يتعذر الوصول إلى الآخر.
- يتشارك كلاهما الاكتشافات بعضهما مع البعض.
- يشترك كلاهما في اللعب مع ملامح وجه الآخر، ويظهر كلاهما إنبهارًا وإنشغالًا مشترك مع الآخر.
- يتشارك كلاهما فى "الحديث الطفولى baby talk".
وعلى أساس أوجه التطابق تلك، جادل هازان وشافير بأن العلاقات العاطفية للبالغين إنما تماثل علاقات التعلق بين الأطفال الصغار (الرُضَّع) ومقدمي الرعاية، وأن الحب الرومانسي هو أيضًا يتبع "النظام التعلقي السلوكي"، ومثلهما الأنظمة التحفيزية والتي تؤدي إلى تقديم الرعاية والحياة الجنسية.
ثلاثة آثار لنظرية التعلق للبالغين
فكرة أن العلاقات العاطفية قد تكون علاقات تعلقية كان لها تأثير عميق على البحوث الحديثة على العلاقات الحميمة. وهناك ما لا يقل عن ثلاث آثار بالغة الأهمية لهذه الفكرة.
أولاً، إذا كانت العلاقات العاطفية للبالغين هي علاقات تعلقية، فينبغي أن نلاحظ نفس أنواع الاختلافات الفردية في علاقات البالغين والتي لاحظتها أينسورث في العلاقات بين الأطفال الصغار (الرُضَّع) ومقدمي الرعاية. وعلى سبيل المثال، قد نتوقع من بعض البالغين أن يكونوا آمنين في علاقاتهم (أن يشعروا بالثقة في أن الشريك سيكون هناك من أجلهم عند الحاجة) ومنفتحين فى الاعتماد على الآخرين وفي أن يعتمد عليهم آخرون. وفى المقابل ينبغي أن نتوقع ان هناك بالغين آخرين غير آمنين في علاقاتهم. على سبيل المثال، قد يكون بعض هؤلاء البالغين غير الآمنين، القلِق-المعارض: فهم يخشون ألا يحبهم الآخرون بالكامل، وقد يشعرون بالإحباط أو الغضب بسهولة عندما لا تلبى احتياجاتهم التعلقية. وقد يكون البعض الآخر متجنبًا: فقد يبدو أنهم لا يهتمون كثيرًا بالعلاقات الحميمة وقد يفضلون عدم الاعتماد كثيرًا على أشخاص آخرين أو أن يكون الآخرون معتمدين عليهم أكثر من اللازم.
ثانيًا، إذا ما كانت العلاقات العاطفية للبالغين هي علاقات تعلقية، فهذا يجعلها "تعمل" بنفس الطريقة التي تعمل بها العلاقات بين الأطفال الصغار (الرُضَّع) ومقدمي الرعاية. وبعبارة أخرى، فإن نفس أنواع العوامل التي تيسر من الاستكشاف لدى الأطفال (أي وجود مقدم رعاية مستجيب) ينبغي أن تيسر الاستكشاف بين البالغين (أي وجود شريك مستجيب). وأن نوعية العوامل التي تجعل من رمز التعلق "مستحسنًا" عند للأطفال الصغار (الرُضَّع) (أي الاستجابة والتواجد) هي نفسها أنواع العوامل التي يجب أن يجدها البالغون "مستحسنة" في الشركاء العاطفيين. وباختصار فإن الاختلافات الفردية في التعلق تؤثر على الأداء فى سير العلاقة والأداء الشخصي في مرحلة البلوغ بنفس الطريقة التي تؤثر بها في مرحلة الطفولة.
ثالثاً، سواء كان الشخص البالغ آمن أو غير آمن في علاقاته مع البالغين فقد يكون هذا إنعكاسًا جزئيًا لتجاربه مع مقدمي الرعاية الرئيسين له. يعتقد بولبي أن التمثيلات الذهنية أو نماذج العمل (أي التوقعات والمعتقدات أو "القواعد" أو "النصوص" الخاصة بالسلوك والتفكير) والتي يحملها الطفل فيما يتعلق بالعلاقات هي دلالة على خبراته الخاصة مع مقدمى الرعاية. على سبيل المثال، يميل الطفل الآمن إلى الاعتقاد بأن الآخرين سيكونون هناك من أجله لأن تجاربه السابقة قادته إلى مثل هذا الاستنتاج. وبمجرد أن يطور الطفل مثل هذه التوقعات، فإنه (هو/هى) يميل إلى البحث عن علاقات تتماشي مع تلك التوقعات وينظر إلى الآخرين بطريقة تتلون بنفس تلك المعتقدات. وفقًا لبولبي، يجب أن يتم تعزيز مثل هذا النوع من العمليات الاستمرارية في أنماط التعلق على مدار الحياة، بالرغم من أنه من الممكن أن يتغير نمط التعلق للشخص إذا ما كانت تجاربه العلائقية غير متناسقة مع توقعاته. باختصار، إذا ما افترضنا أن علاقات البالغين هي علاقات التعلق، فمن الممكن أن الأطفال الآمنين سوف يبلغوا ليكونوا آمنين في علاقاتهم العاطفية. ومن ناحية أخرى فإن الأشخاص الآمنين كبالغين في علاقاتهم مع والديهم سيكونون أكثر عرضة لإقامة علاقات آمنة مع شركاء جدد.
في الأقسام أدناه، سيتم تناول هذه الآثار الثلاثة بإيجاز في ضوء البحوث المبكرة والمعاصرة بشأن تعلق البالغين.
هل نلاحظ نفس أنواع أنماط التعلق بين البالغين التي نلاحظها بين الأطفال؟
تضمنت البحوث الأولية عن التعلق للبالغين دراسة عن العلاقة بين الاختلافات الفردية في التعلق عند البالغين والطريقة التي يفكر بها الناس في علاقاتهم وذكرياتهم عن علاقاتهم مع والديهم. طور هازان وشافير (1987) استبيانًا بسيطًا لقياس مثل هذه الاختلافات الفردية. (غالبًا ما يُشار إلى هذه الاختلافات الفردية باسم أساليب التعلق، أو أنماط التعلق، أو اتجاهات التعلق، أو الاختلافات في منظومة التعلق). وباختصار، طلب هازان وشافير من الشريحة الخاضعة للبحث قراءة الفقرات الثلاث المذكورة أدناه وتحديد الفقرة التي تميز كيف يفكر وكيف يشعر وكيف يتصرف في علاقاته الحميمة:
- إلى حد ما، أجدني غير مرتاح فى القرب من الآخرين. أجد صعوبة في الوثوق بهم بالكامل، من الصعب أن أسمح لنفسي بالاعتماد عليهم. أصبح متوترًا عندما يقترب منى أي شخص، وفي كثير من الأحيان يريد مني الآخرون أن أكون أكثر حميمية عن ما أشعر به ويريحنى.
- أجد أنه من السهل ليّ نسبيًا التقرب من الآخرين. وأكون مرتاحًا فى الإعتماد عليهم، وهم أيضًا يعتمدون عليّ. لا أقلق من أن يتم التخلي عني أو من اقتراب شخص مني.
- أجد أن الآخرين يترددون في الاقتراب بقدر ما أريد. كثيرًا ما أقلق من أن شريكي لا يحبني حقًا أو لا يريد البقاء معي. أريد أن أقترب كثيرًا من شريكي، وهذا يخيف الناس إلى درجة الإبتعاد فى بعض الأحيان.
استناداً إلى هذا المقياس ثلاثي التصنيف، وجد هازان وشافير أن توزيع هذه التصنيفات مماثل لما تم ملاحظته فى مرحلة الطفولة. وبعبارات أخرى، فإن حوالي 60 % من البالغين يصنفون أنفسهم على أنهم آمنون (الفقرة ب)، ووصف نحو 20 % أنفسهم بأنهم متجنبون (الفقرة أ)، ووصف نحو 20 % أنفسهم بأنهم قلقون-معارضون (الفقرة ت).
على الرغم من أن هذا المقياس كان بمثابة وسيلة مفيدة لدراسة الارتباط بين أساليب التعلق وكيفية سير العلاقة، إلا أنه لم يسمح باختبار كامل للفرضية القائلة بأن نفس الأنواع من الاختلافات الفردية التي لوحظت بين الأطفال الصغار (الرُضَّع) قد تظهر بين البالغين (في نواح كثيرة، افترض مقياس هازان وشافير أن هذا صحيح). وقد استكشفت الأبحاث اللاحقة هذه الفرضية بطرق متنوعة. على سبيل المثال، جمعت "كيلي برينانKelly Brennan" وزملاؤها عددًا من العبارات مثل: "أعتقد أن الآخرين سيتواجدون لأجلى عندما أكون فى حاجة إليهم"، ودرسوا طريقة اتفاق هذه العبارات إحصائيًا (برينان وكلارك شايفر 1998 "Brennan, Clark, & Shaver"). وأشارت النتائج التي توصلت إليها برينان إلى أن هناك بُعدين أساسيين فيما يتعلق بأنماط تعلق البالغين، وقد تم اطلاق اسم "القلق المرتبط بالتعلق attachment-related anxiety" على المتغير الأساسي، ويميل الأشخاص الذين يسجلون درجات عالية في هذا المتغير إلى القلق بشأن ما إذا كان الشريك متاحًا ومتجاوبًا ومنتبهًا وما إلى ذلك. والأشخاص الذين يسجلون درجات منخفضة لهذا المتغير هم أكثر أمانًا في الاستجابة لشركائهم. المتغير الأساسي الآخر يسمى "التجنب المرتبط بالتعلق attachment-related avoidance". والأشخاص على الطرف العالي من هذا المقياس يفضلون عدم الاعتماد على الآخرين أو الانفتاح عليهم. بينما الأشخاص على الطرف المنخفض من هذا المقياس هم أكثر راحة في الحميمة مع الآخرين وأكثر أمنًا فى الاعتماد على الآخرين أو اعتماد الآخرين عليهم. ويعتبر الشخص البالغ الآمن النموذجى منخفض في كلا المقياسين.
(الشكل 1)
إن النتائج التي توصلت إليها برينان بالغة الأهمية لأن التحليلات التى أجريت مؤخرًا للأنماط الإحصائية للسلوك بين الأطفال الصغار (الرُضَّع) في "الموقف الغريب strange situation" أظهرت بُعدين متشابهين وظيفيًا: واحد يلتقط التباين في القلق والمقاومة للطفل وآخر يلتقط التباين في استعداد الطفل لاستخدام الوالد كملاذ آمن للدعم (انظر Fraley & Spieker, 2003a, 2003b). من الناحية الوظيفية، تتشابه هذه الأبعاد مع البُعدين الذي تم الكشف عنهم بين البالغين، مما يشير إلى وجود أنماط مماثلة من التعلق على نقاط مختلفة طوال فترة الحياة.
فى ضوء النتائج التي توصلت إليها برينان، وكذلك أبحاث "taxometric" والتي تم نشرها من قبل فرالي ووالر "Fraley and Waller (1998)"، فإن معظم الباحثين يتصورون حاليًا ويقيسون الاختلافات الفردية في التعلق كأبعادًا وليس بشكل قاطع. أى أنه من المفترض أن أنماط التعلق هى أشياء تختلف في الدرجة بدلاً من النوع. والمقاييس الأكثر شيوعًا لنمط التعلق لدي البالغين هو مقياس "برينان وكلارك وشافير Brennan, Clark, and Shaver's (1998)" ECR Experiences in Close Relationships, " و "فرالي ووالر وبرينان Fraley, Waller, and Brennan's (2000) " ECR-R (Experiences in Close Relationships-Revised) وهو النسخة المنقحة من ECR[3]. وهذى التقارير الذاتية توفر نقاط مستمرة على بُعدين من القلق المرتبط بالتعلق والتجنب[4].
هل "تعمل" العلاقات العاطفية للبالغين بنفس الطريقة التي تعمل بها العلاقات بين الأطفال الصغار (الرُضَّع) ومقدمي الرعاية؟
حاليًا هناك تزايد فى الأبحاث التي تشير إلى أن العلاقات العاطفية للبالغين تعمل بطرق مشابهة للعلاقات بين الأطفال الصغار (الرُضَّع) ومقدمي الرعاية، مع بعض الاستثناءات الجديرة بالملاحظة بطبيعة الحال. أظهرت الأبحاث الطبيعية التى أجريت على البالغين والذين انفصلوا عن شركائهم في المطار أن تلك السلوكيات دلت على احتجاج مرتبط بالتعلق بين الأطفال الصغار ومقدمي الرعاية، وأن تنظيم مثل هذه السلوكيات كان مرتبطًا بأسلوب التعلق "فرالي وشافير، 1998 Fraley & Shaver- 1998". على سبيل المثال، في حين أظهر الأزواج المنفصلون عمومًا سلوكًا تعلقيًا أكثر من الأزواج غير المنفصلين، أظهر البالغون الأكثر تجنبًا سلوكًا تعلقيًا أقل بكثير من البالغين الأقل تجنبًا. سأناقش في الأقسام أدناه بعض أوجه التشابه التي تم اكتشافها بين الطريقة التي تعمل بها العلاقات بين الأطفال الصغار (الرُضَّع) ومقدمي الرعاية والعلاقات العاطفية للبالغين.
القاعدة الآمنة وسلوك الملاذ الآمن
في مرحلة الطفولة، يميل الرضع الآمنون إلى أن يكونوا الأكثر تكيفًا ولأنهم مرنون نسبيًا ينسجمون مع أقرانهم، وهم محبوبون جدًا. وظهرت أنواع مماثلة من الأنماط في البحوث على تعلق البالغين. بشكل عام، يميل البالغون الآمنون إلى أن يكونوا أكثر رضا في علاقاتهم عن البالغين الغير الآمنين. وتتميز علاقاتهم بالوقت الطويل والثقة والالتزام والاعتماد المتبادل (مثل: "فيني ونولر وكالان- 1994 Feeney, Noller, & Callan, ")، وعلى الأرجح فهم يستخدمون الشركاء كقاعدة آمنة لاستكشاف العالم منها (مثل: "فرالي وديفيس 1997 Fraley & Davis"). وقد خُصصت نسبة كبيرة من أبحاث تعلق البالغين للكشف عن الآليات السلوكية والنفسية التي تعزز الأمان وقاعدة السلوك الآمن للبالغين. وحتى الآن تم اكتشاف اكتشافين رئيسيين. أولاً، ووفقًا لنظرية التعلق، علي الأرجح فإن البالغين الآمنين هم من يسعون للحصول على الدعم من شركائهم عندما يشعرون بالأسى عن البالغين غير الآمنين. وعلاوة على ذلك، من الأرجح أن يقدموا الدعم لشركائهم الذين يشعرون بالأسى (مثل: "سيمبسون وأخرون 1992 Simpson et al,"). ثانيًا، إن الإسنادات التي يقوم بها البالغين الغير آمنين والتى تتعلق بسلوك شريكهم أثناء وبعد الصراعات فى العلاقة تؤدي إلى تفاقم حالة إنعدام الأمن بدلاً من التخفيف منها (مثل: "سيمبسون وأخرون 1992 Simpson et al,").
تجنب التعلق و آليات الدفاع
وفقا لنظرية التعلق، يختلف الأطفال في أنواع الاستراتيجيات التي يستخدمونها لتنظيم القلق المرتبط بالتعلق. على سبيل المثال، بعد الانفصال ولم الشمل يقترب بعض الأطفال غير الآمنين من والديهم وإنما بتردد ومقاومة، في حين ينسحب آخرون من والديهم. على ما يبدو أن هذا الأمر يقلل من المشاعر والسلوكيات المرتبطة بالتعلق. أحد الأسئلة الكبيرة في دراسة ارتباط الأطفال الصغار (الرُضَّع) هو ما إذا كان الأطفال المنسحبون من والديهم (الأطفال المتجنبون) هم حقا أقل حزنًا أو ما إذا كان سلوكهم الدفاعي هذا هو غطاء على مشاعرهم الحقيقية الضعيفة. تشير الأبحاث التي قامت بقياس قدرة الأطفال الذهنية على الانتباه أو معدل ضربات القلب أو مستويات هرمون الإجهاد إلى أن الأطفال المتجنبين يشعرون بالأسى بسبب الانفصال على الرغم من حقيقة أنهم يظهرون بمظهر بارد كطريقة دفاعية.
وقد كشفت الأبحاث التى أجريت مؤخرا على تعلق البالغين بعض التعقيدات المثيرة للاهتمام فيما يتعلق بالعلاقات بين التجنب والدفاع. على الرغم من أن بعض البالغين المتجنبون الذين غالبًا ما يطلق عليهم بالغون "متجنب- خائف fearfully-avoidant"، يكون تكيفهم سيئ بالرغم من طبيعتهم الدفاعية، وآخرين غالبًا ما يطلق عليهم بالغون "رافض-متجنب dismissing-avoidant" وهم القادرون على استخدام الاستراتيجيات الدفاعية بطريقه تكيفية. وعلى سبيل المثال، في مهمة تجريبية صدر فيها تعليمات للبالغين بمناقشة فقدانهم للشريك، وجد "فرالي وشافير - 1997 Fraley and Shaver" أن فصل الأفراد (أي الأشخاص الذين على الطرف العالي من بُعد "التجنب المرتبط بالتعلق attachment-related avoidance" ولكن على الطرف المنخفض في بُعد "القلق المرتبط بالتعلق attachment-related anxiety" الذين كانوا يعانون من اليأس الفسيولوجي (كما تم تقييمها بجهاز يوصل بالجلد) مثل الأشخاص الآخرين. ومع ذلك، عندما صدرت لهم تعليمات بقمع أفكارهم ومشاعرهم كان الأشخاص "رافض-متجنب dismissing-avoidant" قادرين على القيام بذلك بشكل فعال. وهذا يعنى إنهم قادرون على تعطيل نشاطهم الفسيولوجي إلى حد ما وتقليل الاهتمام الذي أولوه للأفكار المرتبطة بالتعلق، بينما لم يكن الأشخاص "متجنب- خائف fearfully-avoidant" ناجحين في قمع عواطفهم.
ترجمة: مريام نبيل حبيب
ترجمة خاصة لمكتب "خدمة المشورة والنضج المسيحي"