- اسم المؤلف إريك فروم
- الناشر اتحاد الكتاب العرب
- التصنيف مشورة وعلم نفس
- كود الاستعارة 124/2
أولاً: العوامل المؤدية إلى تغير المريض فى المعالجة التحليلية
يرى فرويد العصاب على انه نزاع بين الغريزة والأنا، فإما أن الأنا فيه الكفاية من القوة وإما الغرائز شديدة القوة، ولكن الأنا هو حاجز وهو غير قادر على مقاومة القوى الغريزية، ولهذا السبب يحدث العصاب ويقدم أن الشفاء التحليلى على أنه يؤدى أساساً إلى تقوية الأنا الذى كان فى الطفولة شديد الضعف، فيمكّنه آنذاك من التغلب على القوة الغريزية، فى الفترة التى يكون في الأنا كفاية من القوة. فالشفاء وفقا لفرويد أن لا يعود المريض يعانى يكمن من أعراضه السابقة وأن يتغلب على قلقه وكوابحه.
وأن المحلل يجب أن يكون لديه نوع من التفوق حتى يستطيع فى أوضاع تحليلية معينة أن يتصرف بوصفه أنموذجاً لمريضه، وفى أوضاع أخرى بوصفه معلماً، وعلينا أن لا ننسى أن العلاقة التحليلية قائمة على محبة حقيقية وأنها تمنع أى نوع من الغش والخداع.
ويقدم فروم أنواع العُصاب (الاضطراب النفسي) ما بين عُصاباً خفيفاً أو عُصاباً خبيثاً، حيث يكابد الشخص عصاباً خفيفاً إن كانت لا تستولى عليه من حيث الأساس إحدى هذه العواطف الخبيثة، بل كان عُصابه ناجماً عن صدمات نفسية حتى وإن كانت عنيفة، أى أن افضل فرص الشفاء تكمن فى تلك الأحوال العُصابية حيث يعانى المريض من أعنف الصدمات.
أما ما يعنيه بفكرة العُصاب الخبيث؛ انها أحوال العُصاب التى تكون فيها نواة بنية الطبع (الأساسي) متضررة، حيث تكون إزاء أناس لهم ميول متطرفة نكروفيلية (النكروفيليا: اضطلااب مضاجعة الموتى) أو نرجسية أو مفرطة التعلق بالأم، وغالباً ما تسير هذه الميول كلها معاً وتنزع إلى التلاقى.
ما منهج الشفاء للعُصاب بالغ الشدة؟ يقول فروم: اننى لا أعتقد أن المشكلة هى فى أساسها تقوية الأنا. و مشكلة الشفاء تكمن فى أن يجابه المريض الجانب القديم غير العقلى من شخصيته بالجانب السليم، الراشد وأن هذه المجابهة عينها تخلق النزاع.
وتحت عنوان العوامل التكوينية والعوامل الأخرى للشفاء يقول: إن المرء إذا كان مريضاً فقد وصل حقاً إلى غوار (أعماق) معاناته، وأعرف معالجاً نفسياً لا يعالج إلا المرضى الذين اجتازوا كل منهج علاجى يمكن أن يوجد، أى أن المريض قد ذهب إلى غوار معاناته.
وإن مهمة التحليل الأولى شديدة الأهمية، هي: مساعدة المريض على أن يكون متكدراً بدلا من تشجيعه. وفى الواقع فإن أى تشجيع على أن يخفف معاناته ويلطفها هو أمر ليست له أي دلالة، وهو حتماً ضار من جهة المزيد من التقدم فى التحليل.
شرط آخر لنجاح التحليل النفسى، وهو أن يكتسب المريض أو أن تكون لديه فكرة ما عما ينبغى أن تكون عليه الحياة، إن العامل المهم الآخر هو جدية المريض وإننا لا نجد أناساً كثيرين من النرجسيين الذين لا يخوضون التحليل إلا لأنهم يحبون أن يتحدثوا عن انفسهم، فيكون للمرء إنسان يصغى إليه كل الوقت.
العامل الآخر هو قدرة المريض على التفريق بين التفاهة والواقع، فإن الطريقة التى يتكلم بها الناس عن حيواتهم الشخصية تكون تافهة حين تتحدث عن أمور غير واقعية.
إن شخصية المحلل مهمة للتحليل، تأكيداً لغياب الغش والخداع، ويؤكد المعالج على المريض أن هذا العالم مختلف عن أى عالم أخر فهو عالم الواقع والحقيقة ومن غير المفترض التحدث بالتفاهات للطرفين المعالج والمريض. والاسترسال العاطفى أحد الشروط الأساسية للتحليل، أن يعيش المرء فى ذاته ما يتحدث المريض عنه. وإن لم أعان فى ذاتى ماذا يعنى أن يكون المرء فصامياً أو مكتئباً أو سادياً أو نرجسياً، بمعنى أننى أستطيع أن أعانى ذلك فى جرعات أصغر من جرعات المرضى، فإننى لا أعرف ما يتحدث المريض عنه أبداً. إنه لمتطلب اساسى أن يشعر المحلل بما يشعر به المريض. و ذلك هو السبب الذى يفسر لماذا لا يوجد تحليل للمحللين أفضل من تحليلهم الناس الآخرين، لأنه فى عملية تحليل الآخرين يكاد لا يوجد شىء فى المحلل لا يبرز ولا يُلمس شريطة أن يكابد المحلل ما يكابده المريض.
ثانياً: الجوانب العلاجية فى التحليل النفسى
إن هدف التحليل هو معرفة المرء لذاته، وهي حاجة انسانية شديدة القدم، وسبيل المرء الوحيد إلى معرفة الله هو أن يعرف نفسه، وكلما كنا أفضل معرفة لأنفسنا فمن الواضح كانت القرارات التى نكوِّنها أصح، وكلما قلت معرفتنا بأنفسنا فلابد وأن تكون القرارات التى نشكلها أشد تشوشاً. إن التحليل النفسى ليس مجرد علاج بل هو وسيلة لفهم الذات وللتحرر الذاتى وفن العيش وهو أهم وظيفة يمكن أن تكون التحليل النفسى.
كانت فكرة فرويد هى أنك إذا أوصلت إلى الوعى العاطفى تجارب الطفولة شديدة الأهمية – تجارب الطفولة المولدة للمرض – فإن العرض المرضى يزول بهذه العملية، وهو ما يمكن أن تدعوه التفسير الفرويدى النشوئى.
لا يمكن للمرء أن يقول ببساطة أنا على هذا النحو لأن أمى كانت على هذا النحو، وحتماً كانت بيئتى هى المؤثرات المحدِدة الأولى. برغم ذلك على المرء أن يسأل نفسه ماذا فعلت لئلا أذعن لهذه المؤثرات؟ هل كنت بكاملى قطعة شمع؟ قطعة ورق خالية كتب علىّ أبواى نصها؟ ألم تكن لدى وأنا طفل إمكانية ما للحكم بصورة مختلفة؟ هل كنت من دون إرادة؟ هل تحددنى الظروف كلياً؟
إن الأسرة المولدة للفصام ليست أسرة ذميمة بصورة خاصة. إنها كذلك ليست أسرة تساء فيها معاملة الطفل على وجه الخصوص. إنها أسرة السأم المطلق والفراغ المطلق والجمود وليست فيها علاقة لأى شخص بالآخر، وتكاد تميت الطفل جوعاً فى حاجته إلى الاتصال الشخصى.
يقول فروم: إن الشرط المسبق الأول للحوار هو القدرة على الإصغاء إلى الآخر، والإصغاء بهذا المدلول يعنى أكثر من التقاط الإشارات الصوتية، كذلك أكثر من فهم ما يقوله الآخر، إنه يعنى أن أدرك أن الآخر يود أن يقول لى شيئاً، شيئاً مهماً بالنسبة إليه، شيئاً علىّ أن أفكر فيه، وقد يرغمنى، إذا دعت الضرورة، على تغيير رأيى. أما الشرط المسبق فهو الثقة بالآخر، وتعنى أن يكون المرء مستعداً للتصريح برأيه ولا يخشى الأذى.
ولكن كيف لى أن أُصغى إلى الآخر وأثق به إذا كنت أساساً لا أصغى إلى نفسى ولا أثق بها؟
وتحت عنوان الإصغاء والخلوة مع الذات:
يبين فروم أن شرط الوجود الإجتماعى هو الوجود فى البيت، وشرط الإصغاء إلى الآخر هو الإصغاء إلى الذات. وإصغاء المرء إلى نفسه يواجه فى ثقافتنا الحديثة صعوبات جمة، و إن إصغاء المرء إلى نفسه أمر شديد الصعوبة لأن هذا الفن يقتضى قدرة أخرى، نادرة فى الإنسان الحديث هى قدرة المرء على أن ينفرد بذاته ونحن فى الحقيقة قد أنشأنا رُهاب الانفراد ونفضّل أتفه صحبه أو حتى أبغضها، وأكثر النشاطات خلواً من المعنى على أن ننفرد بأنفسنا، لأننا نعتقد أننا سنكون فى صحبة بالغة السوء! أعتقد أن الخوف من أن نكون وحيدين مع من أنفسنا هو إلى حد ما شعور بالارتباك.
نبذة مختصرة عن الكتاب:
هذا أول كتاب نقدمه لهذا المفكر العملاق، والذي بدأ حياته أخصائي في التحليل النفسى (مدرسة فرويد، وهي الأقدم في العلاج النفسي)، الذي مارسه لأكثر من خمسين سنة. إلا أن معظم كتاباته ومحاضراته اتجهت في الجزء الأكبر من حياته إلى الفلسفة لا العلاج النفسي، فصارت كتابات جامعة تشمل علم النفس وعلم الاجتماع في إطار فلسفي، على شاكلة كارل يونج وكارل ياسبرز ونوال السعداوي، بما يندر تكراره كثيراً في الحياة. ونشكر الرب لأن الكثير من هذه الكتابات الفريدة لإريك فروم صارت موجودة في مكتبتنا العربية، وبالتأكيد في مكتبتنا الخاصة بالخدمة، فما كنا نفوت مثل هذه الفرصة أبداً.
فن الإصغاء، كتاب هذا الشهر، وهو كتاب في العلاج النفسي، صدر لإريك فروم بعد وفاته ونشره بعض علماء النفس المعاصرين من تلاميذ فروم نقلا عنه من المحاضرات التى كان يلقيها على طلابه من دون أن تكون له أصول مكتوبة.
وإذا كانت فصول هذا الكتاب قد وُجّهت أصلاً لفائدة المحللين النفسانيين فإنها قد راعت فى الوقت نفسه أن تكون عوناً لكى يحلل كل إنسان نفسه ويفهمها ذاتياً. فمشكلة الإنسان ليست مستحيلة الحل ولكن يجب مع ذلك عدم الاستهانة بها.
وهذا الكتاب لا يتحدث عن التقنية التحليلية النفسية، ففى رأى فروم وضد زعم الكتب المدرسية عن التقنية التحليلية النفسية، لا وجود لمثل هذا الأمر، فالنصوص فى هذا الكتاب تقدم المعلومات عن فروم المعالج النفسى وطريقته فى معالجة مكابدات الناس فى زمننا هذا، ولا يمثل منهجه العلاجى بالنظريات، بل بقدرته على الإدراك الفردى والمستقل للمشكلات الأساسية للإنسان.
يقدم فروم فى القسم الأول العوامل المؤدية إلى تغير المريض فى المعالجة التحليلية، وأسباب تغير المريض فى المعالجة التحليلية. وفى القسم الثانى الجوانب العلاجية للتحليل النفسى.