في الجزء الأول من هذا الكتاب، وبالتحديد في فصل بعنوان المنهزمون يتعرض العملاق بول تورنييه، كاتب هذا الكتاب الفريد، لدور العامل الفطري أو القاعدة الذاتية، ومقدار ما تسهم به الصدمات النفسية لمرحلة الطفولة في ظهور الاضطراب أو المرض حنى أن المريض نفسه يشعر بالحدس أن ميلاً فطرياُ معيناً في تكوينه الجسمي والنفسي قاده لعمل رد فعل مختلف عن الآخرين تجاه صدمات ومشكلات الحياة وهذا ما أدى لهزيمته بينما الآخرين قد تشددوا وتقوا. فمن الجانب البدني ضعف تكويني معين ومن الجانب النفسي درجة عالية من الحساسية والميل للإثارة العاطفية. وقد تنجح العلاجات النفسية والجسمية في كسر تلك الحلقة لكن الشخص يحتفظ بطبعه، ويجب أن يقبل الشخص هذا الأمر ويأخذه في اعتباره في تنظيم حياته لأنه أن تمرد ضد طبيعته بتعريض نفسه للجهود الجسمية المفرطة أو الأذى الحاد لمشاعره فسوف يرى إعادة ظهور سلسلة ردود الأفعال الضعيفة التي يميل لها بحسب فطرته. لكن رغم عدم إمكانية تبديل الطبع يمكن لهؤلاء أن يصيروا متصالحين مع حساسيتهم عن طريق كسر دائرة ردود الفعل الطبيعية. لذا يصنف تورنييه الناس إلى فئتين: الأقوياء والضعفاء. فهناك من يبدو انه محكوم عليهم بالهزيمة والانسحاق. وغالباً جداً ما تعرضوا للإصابة في معركة الحياة لدرجة توقعهم هم أنفسهم أن يتكرر ذلك معهم دائماً، ومن يعرفونهم أيضاً يتوقعون ذلك حتى الغريب لديه حدس فوري بضعفهم ويعاملهم إما بصورة متعالية أو عدوانية. ونفس الحدس يحذره من قوة الأقوياء فيتبنى ناحيتهم اتجاهاً يؤكد على قوتهم عن طريق الخجل أو الخضوع لرغباتهم. ونحن جميعاً ضعفاء تجاه البعض وأقوياء تجاه البعض الآخر. ويبدو أن بعض الناس موجهين للنجاح والبعض الآخر للفشل، ولكن الحقيقة أن البشر متشابهون أكثر مما يعتقدون والاختلاف هو في القناع الخارجي الخاص بردود الأفعال الخارجية سواء ضعيفة أو قوية أما في الداخل فالشخصية متطابقة فالكل ضعفاء لأن الكل خائفين لئلا يداسون ولئلا ينكشف ضعفهم الداخلي. والكل لديهم أخطاء سرية وضمير مثقل بخصوص أفعال معينة يريدون تغطيتها والكل خائف من الآخرين ومن الله ومن أنفسهم ومن الحياة ومن الموت. يقول تورنييه أن الإنسان في صراع داخلي إذ أن هناك قوتين تقفا أمام بعضهم البعض داخل الإنسان، الحاجة للحياة كما لو كان بمفرده وأن يزيح كل شيء في طريق نموه وطموحه، وضمير أخلاقي ليس بأقل قوة يجازي كل فعل ظلم بندم رهيب. والبشر أنفسهم ممزقة بين القوتين وعاجزين عن حل هذا الصراع الداخلي لذا يلجأ معظمهم إلى التعامل بطريقة الوسطية أي مزج وتبادل للأدوار بين ردود الفعل القوية والضعيفة. لكن الشفاء الحقيقي ليس في اللجوء إلى جانب رد الفعل القوي أو الضعيف حيث أن حل هذا الصراع يوجد في عالم الروح، فالله منحنا غرائزنا وضميرنا الأخلاقي الذي لا يمكن تدمير أي منهم لكن الانسجام بينهما يأتي من عند الله عندما يطيعه الإنسان، إذ يأتي الخلاص الروحي بإعادة اكتشاف القصد الإلهي واختبار نعمة الله . في القسم الثاني من هذا الكتاب يشرح تورنييه بالتفصيل الدقيق كل من ردود الفعل الضعيفة و ردود الفعل القوية. أما ردود الفعل الضعيفة فتتعدد مظاهرها من اكتئاب ، ويأس، وحزن، ورثاء للذات، ... الخ، وترتبط بالهروب والجمود والتثبيط و التردد والتعب. وفي حالة التردد يبدو أن الضعيف الذي يواجه باختيار ما بين بدائل يحتاج وقتاً وسكوناً أكثر من الآخرين لاتخاذ قراره هذا ليس راجع إلى أنهم لا يعرفون أي مسار يختارون حيث أن اختيارهم حاضر بالفعل داخل قلوبهم أما التعبير عن الاختيار فهو المتعطل، ولذا يظهر الضيق من أنفسهم الذي يشغل أذهانهم أكثر من أي شئ آخر لدرجة أنه لا يمكنهم التفكير وبالتالي لا يمكنهم صياغة قرار أو استخدام قوة إرادتهم. وردود الفعل هذه غالباً ما تكون لها وظيفة مفيدة كخط دفاعي غريزي وضعته الشخصية غريزياً ضد معاناة حادة جداً لدرجة انه لا يمكن احتمالها دون أن تسبب تدمير أشد لكنها رغم أنها تبدو أحياناً كمحاولات للعلاج فهي تبقي دائماً علاجات زائفة. وردود الفعل الضعيفة المؤلمة لن تختفي كلية لكن ستبذل الجهود من أجل تخفيف تلك الردود. وأكثر ما يحتاجه أصحاب ردود الفعل الضعيفة أن يتعلموا ألا يخافوا ردود أفعالهم وألا يفسحوا المجال لخوفهم وما يمكن تقديمه لهم هو التشجيع الدائم للمثابرة في جهودهم من أجل الحياة ومواجهة الصعوبات رغم ردود الفعل المؤلمة المسببة لها. الضعفاء، أيضاً يحتاجون إلي الحب والحنان والقبول وأن يجدوا مكاناً في قلوبنا يكون انعكاساً وشهادة لمحبة المسيح، وهذا يُمكنهم من إحراز انتصارات على أنفسهم تساعدهم على كسر قيود يأسهم. أما بالنسبة لردود الفعل القوية، وهنا يميز تورنييه أولاً بين ردود الأفعال التي تكون آلية وتلقائية وفورية كاستجابة طبيعية لكل تحد جسماني أو نفسي، وهي ردود فعل قوية نشطة تحفز الطاقة الدافعة وتفتح بوابات الخيال والفكر ويكون لها صداها حتى في الحياة الروحية، وبين صور أخرى لردود الأفعال القوية تكون في حقيقتها تعويضات عن نفس صور القلق السرية التي تسحق الضعفاء مثل الرغبة في استرداد المرء حقه أو الانتقام بسبب الجروح التي فشلنا في قبولها. أيضاً النقد وهو أحد أكثر أشكال ردود الفعل القوية شيوعاً ربما يرجع إلى كبرياء مجروحة أو يكون رد فعل موجه لتغطية شعور بالذنب. هناك أيضاً العناد والتسلط والتصلف والتصميم على أن تكون للمرء الكلمة الأخيرة، والتوبيخ أو التمرد، كذلك الدلال وهو أحد صور الغرور.. الثرثرة، واللسان العفوي، والروح المعنوية المرتفعة.. الصمت الصريح، جو الغموض الذي لا يمكن اختراقه، شكل المرح والذكاء وبالتحديد الذكاء اللاذع والمصطنع الذي يستخدم كخط دفاع هجومي، والكمال الأخلاقي والجسارة والمثالية العدوانية وحتى التضحية بالذات يمكنها أن تكون رد فعل قوي يغطي كثير من الضعف و القلق. والله هو الذي يعطينا البصيرة التي تساعدنا على التمييز بين أفعال الإرادة الأصيلة وردود الفعل الآلية وذلك عن طريق الصمت أمامه في الصلاة. كما أن الطريقة الوحيدة للتغلب على ضعفتنا وخطايانا بعد معرفتها هو الاعتراف بها لقبول غفران الله بدلاً من إخفائها أو إنكارها. وتورينيه يقول أن ردود أفعالنا الضعيفة أو استسلامنا من خلال الضعف والخضوع دون اقتناع تنبع من الكبرياء مثلها مثل ردود أفعالنا القوية التي تجعلنا نفرض أفكارنا على الآخرين خوفاً من أن يفرضوا هم أفكارهم علينا. فيقول: "ليس هناك أشخاص ضعفاء من ناحية وأقوياء من الناحية الأخرى كما يظن العالم لكن هناك من ناحية ضعفاء واعون بضعفهم وعارفون بُطل كل التعويضات النفسية وفي النهاية يعتمدون فحسب على نعمة الله. ومن الناحية الأخرى هناك ضعفاء يؤمنون بقيمة ردود الفعل القوية وتعاليمهم ونجاحاتهم وفضائلهم". هذا بالفعل ملخص وجوهر الأمر كله. وفي القسم الثالث والأخير من هذا الكتاب يتحدث تورنييه عن علم النفس والإيمان، والقوة الحقيقية الروحية في مقابل القوة النفسية محاولاً أن يوجد صياغة لتناول معضلة الطبيعة الفطرية الضعيفة والطبيعة الفطرية القوية في الإنسان وردود أفعال كل منهما. فيقول تورينيه أن الضعف النفسي كثيراً جداً ما يكون عقبة في طريق الحياة الروحية، بل في كثير من الحالات يكون إحساس المريض بالذنب وعدم قدرته على الصلاة مجرد إسقاط للإحباط النفسي على المجال الديني. والإيمان يمكنه أن يحصن الضعيف ويحرره من صعوبة نفسية وهذا لا يعني أن الضعفاء والمرضى أكثر بعداً عن الله من الأقوياء والأصحاء أو أن لديهم أيماناً أقل. والإيمان لا يخلصنا من جميع أمراضنا ولا يحررنا في هذا العالم من طباعنا الطبيعية لكنه يسمح لنا بالتغلب عليها مؤقتاً وهو لا يخلص شخص مفرط المشاعر من ميله الأساسي للعاطفة لكنه يحرره من الخوف من عاطفته التي ظلت تجعله أكثر عاطفية. الإيمان لا يخلص شخصاً حساساً من حساسيته الأساسية لكنه يحرره من خوفه من المعاناة التي تجعله أكثر حساسية، الإيمان يساعدنا أن نقبل طبيعتنا أن نحمل أثقالها كصليب وأن نقدمها لله لاستخدامها في خدمته. فطبيعتنا يمكنها أن تتغير جزئياً ولكن يبقي جزء منها لابد أن نقبله ببساطة كما هو.
القسم الأول: أن تكون إنساناً 1- المظهر والواقع 2- المنُهزمون 3- الخوف القسم الثاني: ردود الفعل 4- ردود الفعل الضعيفة 5- ردود الفعل القوية 6- ردود الفعل المتبادلة القسم الثالث: علم النفس والإيمان 7- الدفاع الشرعي 8- القوة النفسية والقوة الروحية 9- القوة الحقيقية