"أنا أغز الوجود بإصبعي فلا تفوح منه سوى رائحة العدم !"
سورين كيركجارد - من كتاب: "التكرار"
"يمكن للإنسان أن يفقد ذاته في التأمل الخيالي (الحياة الحسية) لكن ذلك لا يحدث ضجة كبيرة .. إذ الغريب أن ضياع الذات ليس من بين الأشياء التي تثير ضجة كبيرة ! فالذات هي الشيء الذي لا يعيره الناس أدنى اهتمام. مع أنهم ينتبهون، بغير شك إذا ما فقد المرء ساقه، أو ذراعه، أو زوجته أو خمسة دولارات .. أما إذا فقد ذاته فتلك مسألة تمر في غاية الهدوء."
"قد يهرب الناس من هذه الحقيقة، كما هي الحال عندما يفترض المرء أنه سعيد (مع أنه في الحقيقة بائس) – ولا يريد أن يبعده أحد عن هذا الوهم (يظهره على الحقيقة) ما السبب ..؟ السبب أن الطبيعة الحسية طاغية ومسيطرة عليه تماماً، وهو حين يقع تحت وطأة المقولات الحسية (مقبولة أو مرذولة) يقول للحقيقة: وداعاً ..! السبب أنه حسي أكثر مما يجب ومن ثم ليست لديه الشجاعة ليصبح روحاً ويتحمل مسئوليته كروح .. ليس لديه أدنى فكرة عن أنه روح."
"في العالم المسيحي كذلك رجل مسيحي يذهب إلى الكنيسة كل يوم أحد يسمع القسيس ويفهم ما يقول .. نعم يفهم كل منهما الآخر – ويموت فيقدمه القسيس إلى العالم الآخر، إلى الأبدية لقاء عشرة دولارات (أجر الجنازة) .. لكنه يموت بلا ذات، فلا ذات له، فهو لم يصبح ذاتاً قط .."
من كتاب: "المرض حتى الموت"
"فماذا عندما يمتلئ فم الإنسان بالطعام حتى أنه لا يعود قادراً على تناول وجباته (أن يمتلئ بالمعرفة دون أن توجه هذه المعرفة نحو معرفة الذات) وبالتالي يصبح عرضة لأن يموت جوعاً لو تـُرِك على هذا النحو، أيكون علاجه أن نحشو فمه بمزيد من الطعام؟ أم أن الأقرب إلى الصواب أن نستخرج بعضه حتى يستطيع أن يتناول وجباته من جديد؟!"
من كتاب: "حاشية ختامية غير علمية"
"بعد أن يحقق المرء المبدأ اليوناني (السقراطي) "اعرف نفسك" عليه أن يستمر في التقدم "ليختار نفسه". ولهذا فضلت عن عمد أن استخدم تعبير "أن يختار المرء نفسه" بدلاً من أن "يعرف نفسه". فإن معرفة المرء لنفسه ليست هي النهاية، بل على العكس، هذه المعرفة لها ثمارها فمنها يبدأ ظهور الفرد الحقيقي. ولو أردت أن أكون حاذقاً في هذه النقطة لقلت أن الفرد يعرف نفسه بتلك الطريقة التي "عرف" بها أدم حواء بالمعنى الذي يعطيه العهد القديم لهذه الكلمة، فالفرد يتصل بذاته ويعاشرها ويخصبها فيهب لنفسه الميلاد.
عندما يكون الإنسان منغمساً في ذاته أثناء عملية الاختيار هذه، مهتماً بها، نافذاً نفاذاً كلياً في أعماق ذاته بحيث يكون منتبهاً في كل حركة إلى وعيه بالمسئولية عن ذاته – عندئذ فقط يختار ذاته أخلاقياً (يصير ذاتاً أخلاقية)، عندئذ فقط يندم على ذاته (يتوب عنها)، عندئذ فقط يكون عينياً (حقيقياً) ويكون في عزلته الشاملة في اتصال مطلق مع الواقع الذي ينتمي إليه (السقوط وتأثيراته). ولن أمل من تكرار القضية البسيطة التي تقول أن اختيار المرء لذاته يعني أن يندم عليها (يتوب عنها)، إذ يدور حول هذه القضية كل شئ آخر.
عندما يبلغ المرء مرحلة الوضوح حول ذاته. وعندما تكون لديه الشجاعة في أن يرى نفسه (يعرفها)، فإن ذلك لا يعني أن التاريخ يكون قد انتهى بل يكون قد بدأ الآن، فالآن يكتسب لأول مرة مغزى حقيقياً، إذ تؤدي كل لحظة جزئية يعبرها الفرد إلى هذه النظرة الشاملة.
من كتاب: "إما .. أو" (الجزء الثاني)
غير أن الذات الأخلاقية ليست هي الذات الإنسانية الحقة، فعلينا أن نواصل السير بغض النظر عما نشعر به من إعياء ودوار ! فهناك مرحلة أعلى هي المرحلة الدينية التي تنقسم إلى التدين (أ) والتدين (ب) – أما الأول فهو يمثل بداية ظهور الذات المتدينة حيث يعي الإنسان أن هناك اختلافاً مطلقاً بين الله والعالم ويعترف بالاعتماد الانطولوجي (الوجودي) للذات على الله عن طريق الإيمان بأن الله هو الخالق، وأن الإنسان هو المخلوق.
لكن ذلك كله ليس سوى تمهيدات للوصول إلى التدين (ب)، أعني إلى الغبطة الأزلية: للمثول بين يدي الله، فلا تكون الذات ذاتاً أصيلة إلا إذا ارتبطت بالله.
من كتابي: "خوف ورعدة"، و"حاشية ختامية غير علمية"
"حينئذ، أنا أعود ذاتي مرة أخرى. تلك الذات التي لن يستطيع أحد أن يلتقطها من الطريق، أنا أمتلكها من جديد، ويُعالج الشرخ الذي أقيم في طبيعتي، وأعود متحداً من جديد ولن تجد ضروب الرعب التي دعمها كبريائي وغذاها مجالاً تنفذ منه لتبدد وتفرق."
من كتاب: "التكرار"