- الجزء الأول (تمت المشاركة به سابقاً في إطار آخر خارج الموقع): مشاركة شخصية على ضوء حياتنا المعاصرة (بالأخص في مصر)، أعطيت نفسي حق مشاركتكم بها خارج السياق المعتاد بعض الشيء
"منه الزّاويَةُ. مِنهُ الوَتَدُ. مِنهُ قَوْسُ القِتالِ. مِنهُ يَخرُجُ كُلُّ ظالِمٍ جميعًا." (زكريا 10: 4)
"كل سلطة تسلطت عليهم كانت من لدن الله... منه خرج "كل ظالم" الذي في يده السلطات المدنية. ولذلك يجب أن نتطلع إلى الله، مصدر كل سلطة، ونذكر أن دينونة كل إنسان صادرة منه." (متى هنري - من تفسير زكريا 10: 4)
- "لماذا فعَلَ الرَّبُّ هكذا بهذِهِ الأرضِ؟" (تث 29: 24 ) "لماذا صَنَعَ الرَّبُّ إلهنا بنا كُل...َّ هذِهِ؟" (أر 5: 19 ) لماذا تكلَّمَ الرَّبُّ علَينا بكُلِّ هذا الشَّرِّ العظيمِ، فما هو ذَنبُنا وما هي خَطيَّتُنا الّتي أخطأناها إلَى الرَّبِّ إلهِنا؟" (أر 16: 10)
- "لماذا يَشتَكي الإنسانُ الحَيُّ، الرَّجُلُ مِنْ قِصاصِ خطاياهُ؟ " (مرا 3: 39) فـ"البِرُّ يَرفَعُ شأنَ الأُمَّةِ، وعارُ الشُّعوبِ الخَطيَّةُ." (أم 14: 34)
"وَرَأَى ٱلرَّبُّ أَنَّ شَرَّ ٱلْإِنْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي ٱلْأَرْضِ، وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ
فقَالَ ٱلرَّبُّ: "أَمْحُو عَنْ وَجْهِ ٱلْأَرْضِ ٱلْإِنْسَانَ ٱلَّذِي خَلَقْتُهُ" (تك 6: 5، 7)
".. لأنّي قد رَحِمتُهُمْ. ويكونونَ كأنّي لَمْ أرفُضهُم.." (زكريا 10: 6)
"كما أن الرحمة تفترض وجود شيء من الشقاء والتعاسة، فإنها تستبعد أي استحقاق. لقد سبق أن نُبِذوا بعدلٍ، ولذلك لم يكن ممكناً لهم أن يدّعوا أي استحقاق من يد الله، إلا الغضب واللعنة." (متى هنري - من تفسير زكريا 10: 6)
اُطلُبوا مِنَ الرَّبِّ المَطَرَ في أوانِ المَطَرِ المُتأخِّرِ، فيَصنَعَ الرَّبُّ بُروقًا ويُعطيَهُمْ مَطَرَ الوَبلِ. لكُلِّ إنسانٍ عُشبًا في الحَقلِ. (زكريا 10: 1)
"في صلواتنا ينبغي أن نطلب مراحم الله في أوقاتها الصحيحة، دون أن نتوقع أن يغير الله مواعيده أو طرقه من أجلنا."
(متى هنري - من تفسير زكريا 10: 1)
حسناً، في اعتقادي الشخصي، إن الأسوأ لازال قادمٌ بعد، حتى لو قيل عني أني سوداوي ومتشائم، فالأفضل أن نهيئ أنفسنا على أن نفاجئ بأننا كنا مخدوعين.
أعتقادي أيضاً أنه لو لم يكن الله قد أسلمنا لهذا الوضع، الذي نستحقه بالتأكيد (وأتحدث هنا عن مسئوليتنا الأدبية والروحية)، فما كان هذا ليحدث أبداً. بالتأكيد هذه ليست دعوة للاستسلام، بل لشئٍ آخر تماماً، ولا ألوم من يقرأ ذلك على إنه دعوة للاستسلام، فكلٍ يفهم حسبما أُعطيى له.
نعم، أثق في أن كل الأشياء (بما في ذلك ما هو قادم) سوف تعمل معاً للخير، إلا أني أعلم أيضاً انه ليس بالضرورة "الخير" هو ما يمكن أن نراه نحن علي أنه الأفضل
كما أعتقد أيضاً أن 30 يونيه لن يعبر بدون دماء وعويل وألم حقيقيين، وهذه أيضاً ليست دعوة لأي شئ من قبيل تثبيط الهمم، ولا أيضاً العنترية الحماسية كذلك، بل دعوة للوعي وقراءة الواقع (المادي والأدبي معاً) وعدم العيش فقط في الأحلام الجميلة.
الرب يرحمنا جميعاً، فنحن في وقتٍ تاريخي على مستوى الخليقة جميعها
مشير سمير
*****
الجزء الثاني
استفسر أحدهم عن استخدامي لعبارة: "أسلمنا الله لهذا الوضع، الذي نستحقه بالتأكيد" حين كنت أتحدث عن مسئوليتنا الأدبية والروحية. وقد يشبه ذلك، استفسار كنيسة العهد القديم، في النص الذي اقتبسته أيضاً من إرميا، حين قالوا: "لماذا تكلَّمَ الرَّبُّ علَينا بكُلِّ هذا الشَّرِّ العظيمِ، فما هو ذَنبُنا وما هي خَطيَّتُنا الّتي أخطأناها إلَى الرَّبِّ إلهِنا؟" (أر 16: 10)
وفي الرد على هذا الاستفسار، وما هي مسؤوليتنا الأدبية والروحية، فقد استخدمت إجابة إرميا، في مراثيه، حين يقول: "لماذا يَشتَكي الإنسانُ الحَيُّ، الرَّجُلُ مِنْ قِصاصِ خطاياهُ؟ " (مرا 3: 39) بناءً على القاعدة الواضحة التي ذكرها أحكم من عاش على الأرض، في قوله بأن "البِرُّ يَرفَعُ شأنَ الأُمَّةِ، وعارُ الشُّعوبِ الخَطيَّةُ." (أم 14: 34).
فهل لا نرى أننا من أتينا بالعار، الذي نحن فيه الآن، لأنفسنا، بخطايانا الفردية والجماعية، كأمة وككنيسة وكأفراد أيضاً، جميعنا بلا استثناء، حين تركنا خلفنا حياة البر منذ سنوات طويلة، حتى استحققنا أن نحصد ما نحن فيه الآن؟!
ربما لا نرى ذلك! وربما أكون متطرف وسوداوي ومتشدد. وأتمنى أن أكون كذلك عن أن أكون على صواب! فيمكنني، أنا شخصياً أن أتحمل أن أكون متطرف وسوداوي ومتشدد عن أن أكون على صواب في مثل قراءتي لهذه الكارثة التي نحن فيها. أتمنى من قلبي أن أكون فعلاً مخطئاً، فلا طاقة لي على تحمل هذا الصواب.
فإن كان ذلك صواباً، "فيا لها من مأساة نعيشها في يومنا المظلم هذا –يقول "أ. و. توزر"– حيث أنهى لنا معلمونا بحثنا عن الله... إن الفشل في رؤية ذلك هو السبب في الانهيار الخطير في حركتنا الإنجيلية المعاصرة... لا يوجد شخص واحد بعينه مسئول عن هذا المرض العظيم، كما إنه لا يوجد مسيحي واحد برئ بالتمام من اللوم. لقد أسهمنا جميعنا، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، في هذه الحالة المحزنة. لقد كنا عمياناً بشدة عن أن نرى، أو خائفين بشدة من أن نتكلم، أو راضيين جداً عن أنفسنا حتى أننا لا نرغب في أي شئ أفضل من الغذاء الفقير العادي الذي يظهر أن الآخرين به راضون... وبالنسبة للجيل بأكمله نزع الاتجاه نحو الهبوط والانحدار. والآن قد وصلنا إلى مستوى عال من التصحر وبددنا وأفنينا أخر خطوط الاخضرار، وأسوأ من ذلك كله قد جعلنا كلمة الحق تتشكل على خبراتنا وقبلنا هذا المستوى السطحي المتدني على أنه مرعى البركات الوفيرة." (توزر، من كتاب: "اللهث وراء الله")
أما عن لماذا الله هو الفاعل في عبارة "أسلمنا الله لهذا الوضع"؟! فمن ترى "يقولُ فيكونَ والرَّبُّ لَمْ يأمُر؟ مِنْ فمِ العَليِّ ألا تخرُجُ الشُّرورُ والخَيرُ؟ لماذا يَشتَكي الإنسانُ الحَيُّ، الرَّجُلُ مِنْ قِصاصِ خطاياهُ؟ لنَفحَصْ طُرُقَنا ونَمتَحِنها ونَرجِعْ إلَى الرَّبِّ. لنَرفَعْ قُلوبَنا وأيديَنا إلَى اللهِ في السماواتِ" (مرا 3: 37 – 41)
"كل سلطة تسلطت عليهم كانت من لدن الله... منه خرج "كل ظالم" الذي في يده السلطات المدنية. ولذلك يجب أن نتطلع إلى الله، مصدر كل سلطة، ونذكر أن دينونة كل إنسان صادرة منه." (متى هنري - من تفسير زكريا 10: 4)
بين قوسين: أرجو شيئين، أولاً أن نتذكر (أو ربما نفهم) معنى مقولة "ضابط الكل" في قانون إيماننا المسيحي. ثانياً، أن نستوعب جيداً أن "العهد القديم -يقول القديس أغسطينوس- هو مادة مسيحية تماماً كما العهد الجديد لأن المسيح متصور عبر صفحاته. لذا فكل الكتاب بعهديه وكل ما كُتب في صفحاته هو كلمة الله لنا اليوم ونافع لتعليمنا اليوم."، ".. والتقسيم الثنائي –يقول المفسر ديفيد باكر- أي أن العهد القديم = الناموس، والعهد الجديد = النعمة، يبدو في الواقع أمراً وهمياً لا وجود له."
على أي حال، إليكم مشاركتي الشخصية الثانية، والتي سأدع "متى هنري" فقط هو الذي يتحدث بها، في تفسيره لسفر زكريا الذي كُتِبَ بعد عودة الشعب من السبي إلى حضن أوروشليم ومراحم الله مرة أخرى، وليس قبل السبي حينما استحق الشعب بخطاياه أن يُرسله الله للسبي. لا، ليس قبل السبي، بل بعد الخلاص والعودة!!
اقترح قراءة النص الكتابي، من أكثر من ترجمة، أولاً: (زكريا 11: 4-14)
لاحظ هنا:
(أولاً) حالة البؤس التي وصلت إليها الكنيسة اليهودية تحت ظلم رؤسائها. كانت عبوديتهم في بلادهم كالأيام التي كانوا فيها أسرى في بلاد غريبة (السبي). كان "مالكوهم يذبحونهم ويبيعونهم" (ع 5).
وفي ايام المسيح نجد رؤساء الكهنة والشيوخ، الذين كانوا هم المالكين للغنم، بمقتضى تقاليدهم ووصايا الناس وضغطهم على ضمائر الشعب، صاروا ظالمين لهم بشدة، والتهموا بيوتهم، ووسعوا ثروتهم، وذبحوا الغنم، بدلاً من رعايتها. وهكذا ذبحوا غنم الرعاية ثم باعوها. أهملوا رعايتها لخدمة مصالحهم الخاصة.
1- وفي هذا برووا أنفسهم. لقد ذبحوها وقالوا ما أثمنا. "الذين يذبحهم مالكوهم ولا يأثمون". يظنون أنه لا ضرر في هذا. وأنهم سوف لا يحاسبهم رئيس الرعاة الأعظم، كأن سلطتهم قد أعطيت لهمه للهدم لا البناء، وأنهم ليسوا ملتزمين بناموس لجلوسهم على كرسي موسى (أو ربما كرسي مرقس أو لوثر حاليًا)، بل يمكنهم أن يتحرروا منه ويبرروا أنفسهم في نقضه كما يلذ لهم.
2- وبهذا أساءوا إلى الله، إذ كانوا يشكرونه من أجل ما اكتسسبوه من مظالمهم. "يقولون مبارك الرب قد استغنيت"، وكأن الله قد صار نصيرًا لهم في مظالمهم، وكأن العناية الإلهية اشتركت في آثامهم.
3- بهذا يحتقرون شعب الله على أساس أنهم لا يستحقون الشقفة أو الاحترام. "ورعاتهم لا يشفقون عليهم" (ع 5). قد جعلوهم بؤساء، وبعد ذلك لم يرثوا لهم، ولم يشفقوا عليهم. لقد تحنن المسيح على الجموع "إذ كانوا منزعجين ومنطرحين كغنم لا راعي لها" (مت 9: 36). أما "رعاتهم فلم يشفقوا عليهم" ولم يُظهروا أي اهتمام بهم.
(ملاحظة) ويل للكنيسة التي لا يبالي رعاتها ولا يشفقون على النفوس الغالية، وينظرون بدون اكتراث للجهلاء والأغبياء والأشرار والضعفاء.
(ثانيًا) وقد نطق بالغضب عليهم لعدم إحساسهم وغباوتهم في هذه الناحية. كان هناك بينهم فساد عام وخراب في حياتهم الدينية، كانت هذه الحالة متفشية فيهم كلهم. "وشعبي هكذا أحب" (أر 5: 31) وبالرغم من أنهم كانوا مظلومين ومسحوقي القضاء إلا أنهم أرتضوا أن يمضوا وراء الوصية" (هو 5: 11). وكما أن رعاتهم لم يشفقوا عليهم، فإنهم لم يشفقوا على أنفسهم. لذلك قال الله "إني لا أشفق بعد على سكان الأرض" (ع 6). إنهم لم يبالوا بخرابهم، فليأت هلاكهم. والذين لا يشفق عليهم إله الرحمة نفسه، فهؤلاء هم حقًا التعساء. والذين يرتضون بأن من "يعلّمون تعاليم هي وصايا الناس" يضغطون على ضمائرهم، وأن "يدعوهم الناس سيدي سيدي" (مت 15: 9، 23: 7) فإنهم كثيرًا ما يعاقبون بالضغط عليهم في مصالحهم المدنية، والذين ينكرون حقوق الله، يخسرون حقوقهم الشخصية. ومن ذا الذي يشفق على من لا يشفقون على أنفسهم. لقد هددهم الله هنا:
1- أن يسلمهم ليد الظالمين. "هأنذا مسلم الإنسان كل رجل ليد قريبه". فيعامل كل واحد الآخر بوحشية. هذا ما فعلته الأحزاب المختلفة في أورشليم، كالغيورين، ومثيري الفتن، الذين أحدثوا اضطرابات أكثر مما فعله الأعداء الظاهرون، كما يروي يوسيفوس (المؤرخ) في كتابه عن تاريخ حروب اليهود.
هؤلاء سيسلمون، "كل رجل ليد قريبه وليد ملكه" أي امبراطور روما، الذي فضلوا الخضوع له عن الخضوع للمسيح، "ليس لنا ملك إلا قيصر" (يو 19: 15). لقد فكروا أن يتوددوا لأسيادهم. لكن من أجل هذا أرسل الله الرومانيين عليهم فأخذوا "موضعهم وأمتهم" (يو 11: 48).
2- أنه لا يخلصهم من أيديهم. "فيضربون الأرض (كل الأرض) ولا أنقذ من يدهم" (ع 6). وأن كان الرب لا ينقذهم فمن هو الذي يقدر أن يخلصهم.
(ثالثًا) "ارع غنم الذبح". كان اليهود غنم الله، لكنهم صاروا "غنم الذبح" لأن أعداءهم كانوا يذبحون منهم كل يوم، فحسبوهم "غنم الذبح". لقد ذبحهم مالكوهم، والله نفسه حكم عليهم بالذبح. أرعهم بالتوبيخ والتعليم والتعزية، قدم طعامًا صحيًا للذين تعبوا من ضمير الكتبة والفريسيين.
"فرعيت غنم الذبح". سوف يعني المسيح بههذ الغنم الضالة، ويذهب إليها ليكون في وسطها، ليعلمها، ويشفيكم "يا أذل الغنم".
لم يهمل المسيح أضعف الناس، ولم يغمض عينيه عنهم لضعفهم. الرعاة الذين افترسوهم لم يشفقوا على الفقراء الأذلاء، واهتموا فقط بمن كان يمكن الانتفاع منهم. أما المسيح فقد بشر المساكين (مت 11: 5). كأن من علامات اتضاعه أنه اختلط بالأكثر بأذل الشعب. وتلاميذه، الذين كانوا أقرب المقربين إليه، كانوا من أذل الغنم.
"فرعيت الغنم" (ع 7). وأباد الرعاة المساعدين الذين لم يكونوا أمناء في مهمتهم (ع 8) "وأبدت الرعاة الثلاثة في شهر واحد". في غموض تاريخ الكنيسة اليهودية في أيامها الأخيرة لا نعرف كيف تمت إبادة هؤلاء الرعاة. ويبدو –بصفة عامة- أنها تمت بقوة وعدل قصاصًا لهؤلاء الرعاة الخطاة وتخفيفًا لأحزان الغنم التي أُسئ إليها.
يظن البعض أن المقصود بهم هم الملوك، والكهنة، والكتبة، أو الأنبياء الذين لم يبق لهم أي عمل بعد أن أتم المسيح عمله، ونُبذوا بسبب عدم أمانتهم.
(رابعًا) "إلى خاصته جاء، إلى غنم مرعاه" (مز 100: 3). قد كان منتظرًا أن يكون بينهم وبينه محبة كاملة، كالمحبة التي بين الراعي وخرافه، لكنهم تصرفوا نحوه تصرفًا سيئًا جدًا، "فضاقت نفسه بهم" وكرههم. لقد قصد أن يشفق عليهم، ولكنه لم يقدر أن يظهر لهم العطف الذي أراده "لعدم إيمانهم" (مت 12: 58). لقد خاب رجاؤه فيهم، وخبا أمله من نحوهم، وحزن عليهم، ليس على الرعاة فقط الذين أبادهم، بل على الشعب الذين طالما نظر إليهم المسيح بحزن في قلبه، ودموع في عينيه. فقد كانت إغاظتهم له سببًا في أن ينفذ صبره، فتعب من ذلك الجيل غير المؤمن والمتوي (مت 17: 17).
"وكرهتني أيضًا نفسهم"، ولذلك كرهتهم نفسه. لأنه حيثما يوجد النفور بين الله والإنسان يكون الإنسان هو الذي بدأ به.
(ملاحظة) هنالك عداوة متبادلة بين الله والأشرار، فهم يكرهون الله. والله يكرههم. لاشئ يعبر عن خطيئة وتعاسة الشعب الشرير، مثل هذه الحالة. أن اهتمام الجسد ومحبة العالم هما عداوة لله. والله لا يحتمل كل فاعلي الإثم. ومن اليسير أن نرى عاقبة هذه الحالة أن لم تخمد نيران الغيظ بأسرع ما يمكن (أش 27: 4، 5).
(خامسًا)
1- "قلت لا أرعاكم" لن أعود أبالي بأموركم، لن تعودوا ترونني ثانية، فاهتموا بشؤونكم. وكما انني لم أرعاكم، فإنني لن أشفيكم، "من يمت فليمت". لا يستطيع الراعي أن يخلص ما مات، وأنا كذلك لن أشفيه. "من يبد فليبد". من جعل نفسه فريسة للذئب فليكن فريسة. أما باقي الخراف التي نسيت إلى الآن طبيعتها اللطيفة المسالمة ”فليأكل بعضها لحم بعض". فلنحارب هذه الغنم مثل الكلاب. والذين رفضوا السميح سيرفضهم هو يقينًا بعدل، وعندئذ يصيرون تعساء بائسين.
2- ثم أُعطيت علامة عن هذا (ع 10). "فأخذت عصاي نعمة وقصفتها" علامة على هذا، لكي لا يظل راعيًا لهم. كما حطم موسى لوحي الشريعة فنقض مؤقتًا العهد بين الله وإسرائيل، كان قصف هذه العصا يرمز إلى نقض العهد الذي قطعه مع كل الشعب "لأنقض عهدي الذي قطعته مع كل الأسباط" ومع كل الشعوب الأخرى من الدخلاء الذين انضموا لهم. وهكذا جردت الكنيسة اليهودية من كل أمجادها. فقد تدنس تاجها وطُرح إلى الأرض، ووضعت كل كرامتها في التراب لأن الله تركهم، ولن يعود يعترف بأنهم له.
3- كان قصف العصا الأولى "نعمة" أو "جمال" ينم عن تخريب كنيستهم، بنقض العهد بينهم وبين الله، الأمر الذي شوه جمالهم. وكان قصف العصا الثانية ينم عن "نقص الأخاء بين يهوذا وإسرائيل" بإثارة الأحقاد والمنازعات.
(1) لا يخرب الشعب بكيفية أكيدة ومحتمة، مثل تحطيم عصا الوحدة، وضعف الأخوة بينهم، لأنهم بهذا يصيرون فريسة سهلة للعدو المشترك.
(2) ويأتي هذا نتيجة الحلال العهد بينهم وبين الله. وعن كثرة الإثم تبرد المحبة (مت 24: 12). ولا عجبب أن كان الذين أغاظوا الله، يحاربون بضعهم البعض. وعندما تنقصف عصا النعمة والجمال تنقصف سريعًا عصا الحبال. والشعب الذي لا تجمعه كنيسة، سرعان ما يتعرض للخراب.
(زكريا 11: 14- 17)
بعد أن بيّن الرب تعاسة هذا الشعب لأن الراعي الصالح تركهم بعدل، بيّن هنا شقاوتهم التي حلت بهم بعدل بسبب ترك الراعي الصالح لهم إذ يُسئ إليهم راعٍ أحمق. وقد شخص لهم النبي أنه هو يمثل الراعي هذا الراعي الأحمق (ع 15) "خذ لنفسك بعد أدوات راعٍ أحمق" لا يصلح مطلقًا لهذه المهمة، مثل رداء الراعي والكيس والعصا، التي يظهر بها الراعي الأحمق. لأن مثل هذا الراعي سيقام فيما بينهم (ع 16) الذي سيضطهدهم ويُسئ إليهم بدلاً من أن يحميهم.
1- سوف يكونون تحت إشراف خدام غير أمناء –سوف يُحمّلهم كتبتهم وكهنتهم ومفسرو ناموسهم أحمالاً ثقيلة لا تحتمل بأن يفرضوا عليهم تقاليدهم، ويجعلوا الناموس الطقسي نيرًا ثقيلاً لم يقصده الله قط. ووصف هذا الراعي الأحمق المذكور هنا يتفق تمامًا مع الأوصاف التي ذكرها المسيح عن الكتبة والفريسيين (مت 23).
2- وسوف يكونون تحت ظلم رؤساء قساة يتسلطون عليهم بعنف ويجعلون ارضهم بيت عبودية لهم، كما كان الحال في مصر وبابل. عندما رفضوا من به تملك الملوك وتقضي العظماء عدلاً" (أم 8: 15) كان عدلاً أن يسلموا إلى من يصدرون أحكامًا ظالمة.
3- وسوف يفرض عليهم ويضلهم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة كما تنبأ لهم مخلصنا (مت 24: 5). لكن مما يلاحظ أنهم لم يخدعوا قط بمسحاء كذبة إلا بعدما رفضوا المسيح الحقيقي. والآن نلاحظ:
(أولاً) كيف كان هذا الراعي الأحمق نكبة للشعب (ع 16). لقد سمح الله –قصاصًا لهم- أن يقيم راعيًا أحمق لا يقوم بوظيفة الراعي "لا يفتقد المنقطعين"، ولا يسعى وراء الضالين، ولا يبحث عن الغائبين، ليجدهم ويعيدهم إلى وطنهم، كما يفعل الراعي الصالح (مت 18: 12 و13). رعاتهم لا يعنون بالحملان التي تحتاج إلى عنايتهم، والتي تستحق هذه العناية كما يفعل المسيح (أش 40: 11). "ولا يجبر المنكسر" الذي أضناه التعب وانكسر، بل يتركونه يموت في كسوره، مع أن أقل عناية في وقتها لضعفه، والذي يوشك أن يموت، بل يتركه خلفه حتى يأخذه من يشاء. ولا يفعل شيئًا لإسعاف الضعيف المجهد. لكنه بالعكس:
1- يتنعم إذ "يأكل لحم السمان" يأخذ لنفسه أفضلها. ويفعل كما فعل العبد الردئ الذي قال في قلبه "سيدي يبطئ قدومه، ..ويأكل ويشرب مع السكارى" ويملأ بطنه (مت 24: 48 و49).
2- ويعاملون الغنم (الرعية) بوحشية. إنهم لا يستطيعون أن يكبحوا جماح شهواتهم. لأنهم عندما يثورون على الغنم "ينزع أظلافها"، "ويضرب العبيد رفقاءه" (مت 24: 49). "ويل لك أيتها الأرض إذا كان ملكك ولدًا" (جا 10: 16).
(ثانيًا) سيكون نكبة لنفسه (ع 17). "ويل للراعي الباطل" الذي له عينان ولا ينظر، مثله مثل الصنم، الذي تقبل الاحترام الجزيل من الشعب، لكنه لا يقدر ولا يريد أن يفعل لهم أي شئ من الخير. إنه يترك الغنم دون أن يعطف عليها. أنه يترك الغنم عندما تكون في أشد الحاجة إلى رعايته، يتركها في حالة متعبة، ويهرب "لأنه أجير" ولا يبالي بالخراف (يو 10: 12و 13).
ومصيره هو أن سيف عدل الله يكون "على ذراعه وعلى عينه اليمنى" وهكذا لا يقدر أن يستخدم العينين. "ذراعه تيبس يبسًا". وهكذا نجد أن من لا يريد أن يخدم أخوته عندما يتطلبون الخدمة: لا يعرف كيف يخدم نفسه. "وعينه اليمنى تكل كلولاً" فلا يرى الخطر المحدق بخرافه، ولا يعرف من أين يطلب النجدة.
هذا ما تم عندما قال المسيح للفريسيين "لدينونة أتيت أنا إلى هذا العالم حتى يُبصر الذين لا يبصرون ويُعمي الذين يبصرون" (يو 9: 39).
إن الذين أُعطيت لهم مواهب تؤهلهم لفعل الخير، يُحرمون منها إن لم يستعملوها لعمل الخير. والذين كان يجب أن يكونوا فعلة لكنهم يتكاسلون ولا يفعلون شيئًا، تُيبّس أذرعهم، والذين كان يجب أن يكونوا حراسًا لكنهم تكاسلوا وناموا ولم يريدوا قط أن يلتفتوا حولهم، تُعمى عيونهم.
متى هنري