إن أحداث الحياة اليومية هي التي تبرهن علي ما إذا كان هناك في حياتنا طاعة لوصايا الله أم لا. إن القداسة هي سلوك كما هي أيضاً عقيدة. أنها ليست الفرق بين مجرم يقع تحت طائلة القانون الوضعي وشخص آخر يحترم القانون، لكنها بالحرى الفرق بين الجيد والأفضل.
ونحن نمارس القداسة في حياتنا لأننا أحباء الله، وأصدقاء له. ليست هي نصف صداقة أو شبه صداقة، بل صداقة حقيقية، ونحن نخاف الرب لأنه آب محب وليس إلهاً قاسياً: "لأن عندك المغفرة لكي يخاف منك" (مزمور 4:130).
أعرف شخصين يشتغلان في مؤسسة خيرية للخدمة الاجتماعية لا تجنى ربحاً من وراء الخدمات التي تؤديها. والاثنان يقدمان حساب المصروفات الشخصية التي على أساسها يتم صرف المرتب. وواحد من هذين الاثنين يعيش في صداقة مع الله، والآخر لا يفعل. والاثنان تحكمهما نفس الظروف، لكن تجاوب كل منهما مع تلك الظروف يناقض أحدهما الآخر. ويمكننا أن نرى الفرق من خلال هذا الحديث المتبادل بينهما:
- "هيا أطلب لنفسك شيكولاتة بالآيس كريم"
- "لكنني لا آكل مثل هذه الأشياء في بيتي. ولا أقدر على شرائها"
- "لست الآن في بيتك، وهذا الطلب يُضاف إلى حساب مصروفاتك الشخصية"
- "لا، لن أفعل"
- "إنك تكد في عملك، ومن حقك أن تحصل على هذا الطلب"
- "إنهم يدفعون لي مرتب لكي أجتهد في عملي، ولا يدفعون لي لكي أبذر"
عندما بدأ هذان الرجلان العمل، كان كل منهما مقتنعاً بقوة بأنه مدعو من الله تلك الدعوة العُليا التي دعاه بها الله في المسيح يسوع. وداخلهما عندئذ الإحساس بأنهما مرسلان من الله في مؤسسة من هذا القبيل جديرة بالثناء، تقدم خدماتها لذوى الحاجة والفاقة. وقد قللا قدر الإمكان من مصروفاتهما لكي تـُصرف الأموال في وجوه الأنفاق التي قصدها المتبرعون، لتـُستخدم في تلك الأغراض وحدها. لكنهما لاحظا آنذاك أن الآخرين الذين تضمهم المجموعة التي ينتميان إليها ليسوا على مستوى المسئولية والتدقيق الذي يسلكان به. وبعد وقت أصبح من السهل على أحد هذين الشخصين أن يغير موقفه من تلك النظرة السامية التي كان ينظر بها لمبدأ التسليم الكامل لله إلى موقف آخر نسبى، فقد قال في نفسه: "لن ينظر الآخرون إليك نظرة احترام بعد الآن إذا كنت تستمر في هذا المسلك ولا تأخذ مثلما يأخذون"
بل والأسوأ من ذلك، لقد استسلم للاتهام الذي يقول: "إنك بضغطك للمصروفات الشخصية كما تفعل سوف تعطى انطباعاً سيئاً عن الآخرين الذين تعمل في مجموعتهم". وقد بدأ هذا الشخص الآن ينظر إلى الأمر بكيفية تختلف: "إن الآخرين يعتنون بأنفسهم، فلماذا أكون أنا باراً بزيادة؟ إن المصروفات التي لا أصرفها على شخصي لن تزيد في قيمة المبالغ التي تـُصرف لذوى الحاجة، لكنها في الواقع ستذهب إلى الأخرين الذين يعملون في المؤسسة ويهتمون بأنفسهم بالفعل"
وهكذا صار كواحد منهم وأنضم إلى مجموعتهم، وأصبح الآن يصرف على احتياجاته الشخصية النثرية أكثر منهم. أما الشخص الآخر فلم ينحن للعاصفة، ولم تلن له قناة. فقد تحاجج مع نفسه قائلاً: "عندما ترى الناس الفقراء وهم يعطون من أعوازهم وباختيارهم دولاراً لمساعدة شخص آخر أكثر احتياجاً، فإن ما يعطونه قد أصبح في عهدتك. وليس بإمكانك أن تصرف شيئاً من هذا المال على نفسك "لذا فهو لم يستطع أن يفعل هذا الأمر، ولن يفعله. وهذا هو معنى الحرب ضد الميل الباطل، وعليه أن يحارب مثل هذا الميل كل يوم. أما الآخر فقد وجد نفسه غير ملزم بهذه الحرب أكثر مما فعل، وألقى بالسلاح جانباً واستسلم للعدو. لقد انتهيت المعركة من جانبه. أما الشخص المنضبط فالمعركة لا تزال مستمرة بالنسبة له، ومن غير المحتمل أن يهدأ لها أوار. ولن يمكننا القول أنه يشعر بالراحة أو السعادة في هذه الحرب. وهو لن يعلن لأحد أنه هو على حق وأن زميله على باطل، لكنه بالحرى يستمر مجاهداً، كل يوم بيومه، باذلاً كل جهد لكي يفعل ما ينتظره منه إلهه.
وهذا هو كل ما يطلب الله منا عادة أن نقوم به إذا كنا حقاً قد قررنا أن ندخل في عهد صداقة مع الله. أما ما يقوله الآخرون فلا يمكن أن نتخذه مقياساً لما هو صواب، أو حق، أو أخلاقي، حتى لو كان شيئاً شرعياً لا غبار عليه. فرأى الغالبية ليس هو بالضرورة رأى الله.
فهل يسمح تلاميذ يسوع لأنفسهم أن يعيشوا حياة متسيبة مستهترة وهم الذين دعي عليهم أسم المسيح، ذاك الذي كانت كل مسرته أن يفعل مشيئة الأب، وكانت الطاعة عنوان حياته التي عاشها على أرضنا؟ وهل إجابتنا بنعم أو لا تتوقف على مشاعرنا التي تنتابنا في ظرف ما أو في لحظة ما؟ ألا توجد مبادئ ثابتة يسير بموجبها من يدعى أنه يتبع ذاك الذي "ثبت وجهه" (لو 51:9)، والذي من بداية الأمر علم أنه ينبغي أن يعمل أعمال الذي أرسله؟ (راجع يوحنا 4:9)
إن أولئك الذين اختاروا لأنفسهم أن يتبعوا السيد يفعلون ذلك بالشروط التي يضعها هو. وهم يطيعونه دون أن يصيفوا شروطاً تحفظية على العهد الذي قطعوه معه. ولا يوجد باب موارب نستطيع من خلاله أن نفلت وننسل إلى خارج إذا ما أتت الواقعة أو تغيرت المشاعر. قال يسوع "أنتم أحبائي أن فعلتم ما أوصيكم به" (يو 14:15). وعلينا أن نطيع حتى إذا كنا لا نرى أبداً أية نتائج طيبة لهذه الطاعة. وذلك لأننا لسنا نحن الذين نضع المقياس لما هو "طيب".
روجرز س. بالمز
من كتاب "بهجة العشرة مع الله"