لا تطفئوا الروح

تشارلز فني ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

ما هية إطفاء الروح

إن الأمر يزداد وضوحاً إذا فهمنا حدود عمل الروح القدس:

عرفنا مما سبق (في هذا الكتاب) أن عمله هو أن ينير العقل بالحق فيما يختص بالله وبأنفسنا وبواجبنا، وواجب النفس نحو الله، كما ويأخذ ما للمسيح ويعلنه لنا.

يُفهم من ذلك أنه يمكنك أن ترفض الحق أو النور المعلن لعقلك ويمكنك أن تغض الطرف عنه، ولك أيضاً أن توجه نظرك بعيداً عنه كلية، بل ويمكنك أن ترفضه كل الرفض، بل وترفض الطاعة عند إعلانه لك، وفي حالة كهذه يوقف الله عمل استعراض الحق وإيضاحه أمام عقلك.

معظم الناس يعرفون بالاختبار الشخصي أن للروح القدس قوة عجيبة في إيضاح الحق بنور عجيب بحيث يفهمه العقل بكيفية لم يسبق له مثلها وبصورة مدهشة، إلا أنه مهما ازداد النور فإن الإنسان يمكنه أن يعصى ويطفئ الروح.

ينشئ الروح - كما نقول أحياناً- حرارة ودفئاً روحياً وقوة وحيوية أثناء إعلان الحق، ولذا نصرح أنه إن كان أحد له روح الله فلابد وأن تكون له نفس ملتهبة، لأن بدون الروح القدس تكون النفس باردة.

هذه الحيوية والحرارة الروحية التي ينشئها الروح القدس يمكن أن تنطفئ، فيقاوم الإنسان الروح القدس وهو يتأكد من حقيقة إمكانية إطفاء الروح وزوال قوة حيويته العاملة في القلب.

 

الأمور التي تسبب إطفاء الروح

(1)  يطفئ الناس الروح بالمقاومة المباشرة للحق الذي يعلنه للعقل، يعزم البعض على مقاومة الحق، ويصرون على عدم الخضوع له، على الأقل إلى حين. وفي حالات كهذه تتعجب إذ ترى قوة الإرادة وهي تعاكس وتستخدم نفوذها في مقاومة الحق. وفي الواقع تستطيع في أي وقت أن تقاوم أي اعتبارات أدبية، لأنه –كما رأينا- لا توجد قوة ترغم الإرادة الحرة على الخضوع للحق.

وفي مثل هذه الحالات يؤثر الحق بشدة على العقل، ويؤكد حضوره بقوة. ويغلب في مثل هذه الحالات أن يميل الناس إلى مقاومة الحق بالقيام ضده، وهنا يُعرِّض الإنسان نفسه لأشنع خطر وهو إطفاء الروح القدس، فيكرهون الحق المعلن لهم إذ أنه يتعارض مع ميولهم الذاتية الخاصة، فيشعرون بتهيج وارتباك ويقاومون روح الله، بل ويطفئونه.

وينتج في مثل هذه الحالات الأمر المحزن الذي لا شك فيه، وهو أنه بعد وقت وجيز من مقاومة الحق تنتهي المأساة بانتهاء تأثير العقل بالحق، فيتقسى الإنسان ولا يشعر بالتأثير الواقع عليه، ويظهر له أنه قادر أن يطرح الحق، بل ويطرحه بعيداً عن تفكيره. وعندما يحدث مثل ذلك ويُطرح الحق بعيداً عن العقل، حينئذ يشعر الإنسان أنه من السهل عليه مقاومة الروح. وبمقاومة الحق وإخماد تأثيره ينطفئ الروح، ولا يعود الإنسان بعد ذلك يشعر بتأثير وبتحذير كما كان يشعر من قبل.

وإن كنت قد شاهدت حالات مثل هذه، تعرف أن في وقت استعراض الحق على العقول يكون الشخص قلقاً حساساً –وربما غاضباً- طول مدة عناده ومقاومته، إلى أن تنتهي المأساة، وينطفئ الروح، فيضيع التأثير ويصبح الإنسان ميتاً أمام تأثيراته، وتتغير حاله فلا يعود بعد يرى الحق إلا بنور ضئيل جداً جداً حتى أنه يكاد لا يعيره أي اهتمام.

وهنا أسأل سؤالاً: ألم يجتز بعضكم مثل هذا الاختبار؟ ألم تقاوم نوعاً من الحق أعلن لك حتى بطل تأثيره على عقلك؟ إن كان الأمر كذلك، إذاً فاعلم أنك في هذه الحالة قد أطفأت روح الله.

(2) كثيراً ما يُطفأ الروح بمحاولة تعضيد الخطأ: كم تظهر أحياناً غباوة البشر بمحاولتهم تعضيد الخطأ وتسنيده، بينما هم يعرفون ويعتقدون في قلوبهم أن ما يشجعونه لهو كلي الخطأ! فيتباحثون ويتماحكون ويتمادون في ذلك إلى أن يوقعوا أنفسهم في حالة عقلية خاطئة، وبذا يطفئون الروح القدس، فتظلم عقليتهم، فيعتقدون بنفس الخطأ الذي سبق وعضدوه ودافعوا عنه. ولقد رأيت كثيرين يقفون مدافعين عن شئ يعرفون أنه باطل، ويتمسكون برأيهم، إلى أن يطفئوا الروح فيهم، وهكذا يصدقون بكذبهم. وكم هو مخيف أن يموت هؤلاء تحت تأثير ضلالهم هذا!

(3) ربما لا يوجد شئ أسرع في إطفاء الروح من ظن السوء في الآخرين، وتخطئهم، والحكم عليهم بكيفية خالية من المحبة. إن روحاً كهذه لا تتفق مع روح الله، بل هي ضد نواميس المحبة التي هي طبيعة الله. فلا غرابة إذا كان روح الله يبغض تلك الروح، فيغادر من ينغمسون في مزاولة هذه العادة الردئية.

(4) ينطفئ الروح باستعمال الألفاظ الخشنة وإهانة الغير بالكلام الصعب. وكم يحزن كثيرون روح الله باستعمال مثل تلك اللغة القاسية مع من يختلفون معهم. ولذا فمن يتعودون تلك العادة، ويستمرون فيها، لك أن تحكم عليهم بأن روح الله قد تركهم تماماً.

(5) ينطفئ روح الله بالتصرف الردئ: عندما تثار هذه الروح بين أفراد أو بين جماعة حينذاك يقف الانتعاش فجأة، فينطفئ روح الله، وتخمد روح الصلاة، ويبطل خلاص النفوس.

(6) كثيراً ما ينطفئ روح الله بتوجيه أنظار الناس بعيداً عن الحق: بما أن الروح يعمل وفقاً للحق، لذا فواضح أننا يجب أن نلتصق بالحق الذي يعلنه الروح القدس أمام عقولنا. فإذا رفضنا الالتصاق بالحق –كما نعمل ذلك كثيراً، إذ هو في مقدورنا- فحينئذ ينطفئ الروح القدس بكل تأكيد.

(7) ينطفئ روح الله بالوصول إلى حالة هياج غير لائق في أي موضوع: فإذا كان الموضوع غريباً عن إدراكنا الروحي، فحينئذ تقوم ثائرة الهياج بكيفية تشتت الأذهان عن الحق وتجعلها غير قادرة على أن تشعر بقوته، لأن في حالة الهياج يصعب على العقل فهم الحق وإدراكه إذا كان صحيحاً، إذ تتشتت قوى التفكير ويصبح الإحساس بالحق خافتاً ضعيفاً.

ربما يكون الهياج في موضوع ديني جوهري. كثيراً ما رأيت انفجاراً في العواطف أثناء النهضات يكاد يكون كريح الترنادو (الإعصار) الكاسحة، وفي أحوال كهذه لا يستطيع العقل أن يمسك بالحق فيفقد إدراكه له. فالهياج الشديد إذاً يمنع العقل من إدراك الحق إدراكاً صحيحاً وتفهم الواجبات الأدبية وحساب نتائجها. وليس معنى هذا أن نخطئ كل هياج ديني، إذ يجب أن يكون هناك إثارة كافية للعقل حتى يفكر تفكيراً جدياً خطيراً يليق بفاعلية الحق وقوته. أما ما يجب تجنبه فهو الهياج الذي يصل بالعقل إلى حد فقدان توازنه، فلا يدرك الحق ويميزه إلا يكيفية مبهمة غامضة.

(8) ينطفئ الروح القدس بتشبع العقل مسبقاً بأفكار سيئة عن أي موضوع. فلما يقرر العقل قراره في أي موضوع، ويكون ذلك التقرير سابقاً لأوانه قبل فحص ذلك الموضوع جيداً، يصل الإنسان بذلك إلى حالة فيها يغلق عقله إزاء الحق، وحينئذ ينطفئ الروح القدس. وقد تزيد تلك الحالة إلى درجة فيها يستحيل على الروح القدس أن يؤثر على العقل، إذ يكون العقل حينئذ مشبعاً بأفكاره الخاطئة لدرجة أنه يقاوم أي حركة من الروح لإقناع العقل. وهكذا يفعل الألوف، فيحطمون كيانهم الأدبي تحطيماً أبدياً.

لذا فليحترس كل إنسان أن يبقى ذهنه مفتوحاً لتأثير روح الله، ويفحص بعناية تامة كل سؤال مهم، وخصوصاً بكل ما يتعلق بواجبنا نحو الله والناس.

إنني لا أقول شيئاً ضد تمسكك الشديد بعد اقتناعك وفهمك ووصولك لما عرفت أنه الحق، لكني أقول لك أنه يجب أثناء الفحص والبحث أن تكون واسع الذهن غير متحيز، مخضعاً عقلك للحق الذي تصل إليه من البراهين المعقولة.

(9) كثيراً ما ينطفئ روح الله بمحاولة تغيير الضمير بما يقتنع القلب بصوابه. في بعض الظروف يحدث تحويل للضمير، يؤدي لإطفاء نور الله في النفس إلى الأبد. ربما رأيتم شيئاً من هذا في أشخاص كان لهم ضمير حساس جداً في أمر ما، وإذا بك تراهم فجأة وكأنهم قد وصلوا إلى حالة فيها أصبحوا بلا ضمير بخصوص نفس ذلك الشئ، الذي كان ضميرهم شديد الحساسية فيه قبلاً!! نعم، قد يحدث أحياناً أن يتغير السلوك تبعاً لتغير وجهات النظر بدون تغيير في الضمير، ولكن الحالة التي أتكلم عنها هي حينما يُقتَل الضمير ويصبح صلباً قاسياً كالصخر.

لقد كنت قبلاً أضع مسؤولية أكثر من اللازم على عمل روح الله بخصوص حث الضمير، وهذا حق من ناحية، إذ أنه قد يختبر إنسان ما تغييراً فجائياً في حساسية ضميره من نحو أمر ما، ولكن إلى أي حد يصل هذا العمل يا ترى؟ هذا بفرض أن الروح القدس له قوة لإيقاظ الضمير وجعله يوخز صاحبه بشدة كما بسهمٍ، ولكن مع هذا كله فإن الإنسان إذا غض النظر عن هذا الوخز والإيقاظ، ثم أخطأ مخالفاً نور روح الله في ضميره، عند ذلك يفقد الضمير حساسيته، ويحدث فيه تغيير كلي، فيصل صاحبه إلى حالة فيها يخطئ وكأنه لا ضمير له يمنعه عن فعل الخطأ.

قد يحدث أن العقل ينتبه في ليلة فيها ينوي صاحبه على فعل خطية خاصة، ويظهر له وكأنه يسمع صوتاً يقول له لو فعلت هذا الشئ فسيتركك الله، ويحثه بكيفية غريبة مقنعاً إياه بذلك بشدة، فإذا لم يتحذر ذلك الإنسان وأخطأ، فحينئذ تحدث له هزة عنيفة، فتَعمى بصيرة الذهن، ويتجرد الإنسان من قوة الإدراك الأدبي، وتطمس فيه قوة الفهم، وذلك لحدوث تغيير مميت في الضمير، على الأقل من ناحية الشئ الذي خالف فيه. وفي الواقع إن إصابة الضمير يظهر أنها تؤثر على كل نواحي قوة التصرف الأدبي. وفي حالة كهذه يتحول الروح القدس ويعبر عن الإنسان، وكأنه يقول له: "لا يمكنني أن أعمل معك أكثير من ذلك، لقد حذرتك بأمانة، ولا يمكنني أن أحثك وأحذرك فيما بعد".

كل هذا يحدث كنتيجة طبيعية عند مخالفة وإهمال إعلان صريح من الله بخصوص واجب ما، فقد يتنحى شخص عن القيام بواجب ما خوفاً من أقوال الناس وأفكارهم المختلفة، أو بسبب عدم الرغبة في إنكار ذاته، ويحدث أنه في أزمة التجربة هذه لا يتركه روح الله في حالة شك وعدم التفات لواجبه، ولكنه يضع الحق ومطالبيه بوضوح تام أمام عقله، وبعد ذلك إذا حدث أن أخطأ ذلك الإنسان بالرغم من تحذيرات الروح القدس هذه فإن النفس تُترك في ظلام مخيف وينطفئ نور الله منها، ربما إلى الأبد.

لقد رأيت كثيرين في هذه الحالة، وهم في نزاع وجهاد عظيم، ويأس مخيف، بعد أن أطفأوا الروح القدس بالكيفية السابقة الذكر.

ربما يذكر كثيرون منكم شاباً كان في هذه الحالة هنا (في الكنيسة التي فيها تم تقديم هذه العظة). لقد وقع في جهاد نفسي عظيم بخصوص إعداد نفسه للخدمة، فلقد فحص هذا الأمر مدة طويلة في وقت كانت فيه مطاليب الله أمامه واضحة كل الوضوح، ولكنه أخيراً حول نظره عن الخدمة ثم تزوج وكف عن إجابة دعوة الله، وحينئذ تركه روح الرب، وبقى هكذا بضع سنوات لا يعبأ بما وصل إليه من قساوة وصلابة ولا يفكر فيما قد طلبه منه الله قبلاً. وحدث بعد ذلك أن مرضت زوجته وماتت، فانفتحت عيناه ورأى شناعة ما عمل، فأخذ يطلب من الله ولكن عبثاً طلبه، إذ لم يرجع شعاع من النور لنفسه التي هجرها في ظلام دامس، ولم يأته أي شعور بوجوب الاستعداد للخدمة، فقد مضى وانقضى وقت دعوة الله له، فوصل إلى أعمق ما يمكن أن يكون من الحيرة والارتباك. فكم من ليال قضاها في صراع وأنين وصراخ في طلب رحمة الله، هذا كله وهو يسبح في جو مملوء من الآلام النفسية التي لا تطاق، ذلك الجو الذي خيم حوله إلى مدى عظيم، بل امتلأ بالظلام والترك والهجران، ولقد استهل كثيراً أن ينتحر وهو يعاني حيرة عظيمة تحت تأثير وخزات ضميره الآثم وأفكار اليأس العميق.

يمكنني أن أذكر الكثير من مثيلات هذا الحادث، إذ يرفض الناس القيام بواجب ما، فيؤدي بهم هذا الرفض إلى تحويرٍ مهلك لشعورهم الأدبي وإلى فراق روح الرب لهم، ولا يبقى لهم إلا "قبول دينونة مخيف وغيرة نار عتيدة أن تأكل المضادين" (عب 10: 27).

(10)                   كثيراً ما يُطفئ الناس روح الله بانغماسهم في خطية النهم في الطعام، أو في أي ميل آخر. ربما تندهش إذ تعلم كم يحزن روح الله بذلك، فتقع النفس في أزمة يظهر معها أن نور الله قد انطفأ، لأن بعض الناس ينغمسون في شهوة الطعام لدرجة أنهم يضرون صحتهم. ومع أنهم يعلمون مقدار الضرر، علاوة على تأنيب روح الله لهم الذي يحثهم على ترك الانغماس في تلك الميول المهلكة للنفس، إلا أنهم يستمرون فيها فتقضي على روحانيتهم، بل على نفوسهم. وما يقال عن شهوة الطعام يقال عن كل غريزة أو شهوة جسدية أخرى.

(11)                   ينطفئ روح الله بسلوك عدم الأمانة: قد ينتهز الناس الفرص في البيع والشراء بكيفية أنانية، فأحياناً يبكتهم روح الله بشدة على خطية محبة الذات ويريهم أن فيها عدم محبة للقريب الذي يجب أن يحبوه كنفوسهم. فمثلاً يريد شخص ما أن يربح ربحاً فاحشاً، فيسأل نفسه هذا السؤال: "هل عملي هذا حق؟"، ويبقى هذا السؤال مدة يقلبه في عقله قائلاً: "إن جاري محتاج لهذه البضاعة ولا غنى له عنها، بل لا يقدر أن يعيش بدونها، ولذا فلي فرصة عظيمة في رفع السعر"، بينما عمل كهذا لا يتفق مع القول "فكل ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا أنتم أيضاً بهم (مت 7: 12)". فيفكر في الأمر كثيراً، ويتضح له واجبه نحو الغير، ولكنه أخيراً يقرر قراره لمصلحته الذاتية غير معتد بمصلحة غيره. قرار كهذا ليس كفيلاً بكشف مدى خطره إلا الأبدية وحدها، فيلازم روح الله أشخاصاً كهؤلاء ويريهم مقدار الخطر العظيم ويواجههم بالحق معلناً إياه بوضوح. وأخيراً، إذ يفضلون مصلحتهم الذاتية ويقررون ذلك، تضيع سدى كل محاولات روح الله معهم. حينئذ يهجرهم روح الله، فيتقدمون من ردئ إلى أردأ، وربما يزجون في السجون، وأخيراً يصلون إلى مقرهم المحتم.. أبدية في الجحيم.

(12)                   كثيراً ما يُطفئ الناس روح الله فيهم بعدم الاهتمام بالصلاة، بل والتوقف عنها: عجيب أن ترى كيف أن الروح القدس يقودنا ويحثنا بشدة على الصلاة، فإذا كنا نطيع إرشاده نجد أنفسنا مسوقين مراراً كثيرة لأن نختلي مع الله في صلوات سرية، بل ولأن نرفع قلوبنا إليه من وقت لآخر. حينما ينتبه العقل من مشغوليات الحياة المخلتفة، فإن الروح القدس في قلوب القديسين هو دائماً وأبداً روح صلاة، وعلى ذلك فكبت الشعور بالصلاة وإعاقته معناه إطفاء روح الله فينا.

ربما اجتاز بعضكم مثل هذا الاختبار. كان لك في ماضيك روح الصلاة، والآن قد فقدته وخسرت شركتك مع الله التي كانت لك بفيض وبعمق، لأنك فقدت اللذة في الصلاة، وفقدت الأنين والجهاد الذين كانا لك بخصوص حالة الكنيسة والخطاة. وإن كنت قد فقدت روح الصلاة فأين أنت الآن؟ آسف إنك  أطفأت روح الله، وأطفأت نوره، ورفضت تأثيره في نفسك.

(13)                   ينطفئ الروح بالمحادثات العاطلة: قلما تجد أشخاصاً يفهمون مقدار شر هذه الخطية ومقدار تأثيرها الأكيد في إطفاء روح الله. قال السيد المسيح: "سوف تعطون حساباً عن كل كلمة بطالة تخرج من أفواهكم"، والكلمة البطالة هي التي لا تفيد السامعين.

(14)                   يُطفئ الناس الروح القدس بإظهار روح الخفة والاستهتار، وبتعود سرعة الغضب والتهيج، وأيضاً بروح التفاخر، إذ كثيرون ينغمسون في هذه الخطية لدرجة أن يتركهم روح الله.

وأيضاً بروح المماطلة والتأجيل، فتراهم يعتذرون لعدم قيامهم بالواجب. أن هذه الروح لهي من  الأمور التي لاشك تطفئ روح الله.

(15)                   كثيرون يطفئون الروح القدس بمقاومتهم تعليم التقديس ولزوم اختباره. لقد كان هذا التعليم موضوع بحث واسع النطاق في السنوات الأخيرة، ووجد من كثيرين مقاومة شديدة.

ألم يصل هذا التأثير إلى كثيرين من خدام وعلمانيين، فقاوموا هذا التعليم، وصار لهم الخوف من الناس شركاً لنفوسهم؟! ويقاوم البعض هذا التعليم، لا لشئ، إلا لأنه يتطلب رفع مستوى حياة القداسة إلى درجة أكثر مما يرغبون أن يعيشوا، وأعلى بكثير من انتظارهم، وأسمى مما يريدون أن يكيفوا بحسبه أذواقهم وعاداتهم في مستقبل حياتهم.

ومن ذا الذي لا يرى أن مقاومة هذا التعليم ولزوم اختباره أمر يدعو إلى إطفاء روح الله في نفس المقاوم؟ إنه لايوجد شئ أقرب إلى قلب يسوع أكثر من تقديس شعبه، الشئ الذي صلى من أجله في صلاته الشفاعية، ولذا لايوجد شئ يسبب حزناً عظيماً له أكثر من إعاقة هذا التعليم، وبالأحرى مقاومته ونبذه.

إنك سوف تعرف مقدار رهبة وخطورة مقاومة ذلك التعليم حينما تقف على حقيقة الحالة العامة لدرجة تقوى الكثير من الكنائس في مختلف البلاد، ولا حاجة لك أن تسأل: "هل يُسَر الناس بالانتعاشات، وهل المسيحيون رجال صلاة، منكرون نفوسهم، أصحاء في المحبة لله وللناس، يعملون على نجاح وتقدم تعليم التقديس في الكنيسة لدرجة واسعة النطاق فتظهر باختباره أثمار البر الكثيرة؟" أسئلة كهذه تجد الإجابة عليها واضحة قبل أن تصوغ صورة أسئلتك هذه.

واأسفاه..أن الروح القدس يُطفأ عن طريق وجوب انتشار الحق الذي يقدس المؤمنين!! وماذا يخلص إن كان ملء وعد الإنجيل يُحَوَّر ويُقَاوم لدرجة أن يُطفأ الروح وتتقسى القلوب؟!

 

تشارلز فني

من كتاب: "لا تطفئوا الروح"