شجرة الحياة : شجرة السقوط
اشعر بالظلم عندما اتذكر ان شقائي وألمي في حياتي بسبب خطأ انسان آخر، ألوم الله كثيرا عندما لا أفهم لماذا سمح بأن أدفع أنا ثمن تجاوز آدم وحواء مع خبث الحية وكأنني اقترح على الله احدى الحلين : إما أنه كان يمنع تلك الخديعة وعندئذ سوف نقع في إشكالية احترام الله لإرادة الانسان او أنه بطريقة ما لا أعرفها يجعل الأمر خاص بآدم وحواء فقط دون أن يمسني ذاك السقوط بعواقبه وبذلك تواجهني معضلة أخرى وهي احترام الله لنواميس الحياة التي وضعها هو بنفسه.
لكنني اقف متحيرة عندما أجد الله يكسر تلك القوانين لخدمة أغراض خاصة جدا، فهل الأمر نسبي إلى هذه الدرجة؟ هل يرحم من يشاء ويذل من يشاء، هل عندما يريد أن يدخل والأبواب مغلقة يدخل وعندما يتعلق الأمر بمعاناتي وألمي من جراء السقوط يمتنع كسر القوانين؟
لماذا لم يجعل لكلٍ خطيئته التي يحاسب عليها وعلى نتائجها، أتساءل وأمامي حقيقة صارخة لا يستطيع قلبي أن ينكرها ولا أعلم كيف لا يستطيع وهي أن الله صالح وعادل وكلي المعرفة، لكن تلك الحقيقة لا تجاوبني أبدا ولا تهدئ من بركان غضبي وثورتي تجاه الظلم الذي أشعر به
أحيانا عندما أضيق ذرعا بما يحدث من أمور غير منصفة في الحياة تقفز اجابة عجيبة في عقلي وتقول لي " إذا كان الله قد سمح للانسان أن يسقط كنتيجة طبيعية لسقوط آدم وهذا في رأيي ظلم، فما بالٌكِ تتعجبين من أي ظلم يحدث تباعا!" وأنا استحي من نفسي عندما أصف أي أمر بأنه ظلم وظلم من الله لأنني أعلم أيضا أن الله ليس بظالم أبدا وحاشاه. لكنني لا أنكر هذه الأفكار أمامه فالكل عريان ومكشوف لديه فلا سبيل للتجميل أو المخادعة. وهنا التناقض في طبيعتي. وربما ما يعترف بداخلي بصلاح الله هو شيء كاذب وليس أصيل ووجوده فقط هو نوع آخر من عدم اعترافي باتساخي وقبحي وضعفي وسقوطي اللانهائي، فدائما بداخلي شيء يود لولم يكن ذاك السقوط المشين قد حدث وكأنه عار-بل هو كذلك- أريد أن اخفيه حتى عن عيوني أنا. لكن... من قال أن الله هو اليد المحركة لعملية السقوط بكل حيثياتها وتبعياتها، هل حدث ذلك فاجأة؟ بالطبع لا. فالكل أمامه مسطح وعاري وحاصل بالفعل، هل كان يمكن لله أن يتدخل لكي يمنعه؟ هذا هو سؤالي . من حيث القدرة يقدر لكن من حيث الصلاح والطبيعة والأمور المخفية والأسرار الغير معلنة، لا أعلم ويبدو أنني سأظل لا أعلم إلى أن أموت.
وإذا قبلت تلك القضية على أنها من ابهامات الحياة فهل بعدها يمكنني أن أتذوق طعم المسيح المخلص؟ أي طبيعة تلك التي تحتاج لكي تعرف قيمة خالقها أن تموت ويأتي من يحييها بعد فترة من الموت والتعفن وربما تعرف تلك القيمة وربما لا !
هل آدم قبل السقوط كان ذو طبيعة مستعدة أن تفسد في أي لحظة، كالطفل الذي يولد مثلا باستعداد لحدوث ثقب في القلب أو من يولد باستعداد للاصابة بمرض التوحد؟ وأي ميزة في ذاك الاستعداد اللعين للسقوط! هل رغم اختلاف آدم قبل السقوط عن آدم بعده لم يجعله يدرك معنى أن يكون في حضرة الخالق رب الكون كله؟ إذا اي سبيل لي أنا الساقطة في أن أظل أسير على السراط المستقيم مهما أدركت أو عرفت وتلامست مع هذا الالــــه!! إنه وهو آدم قبل السقوط وقبل الفساد لم يكن محصنا من أن ينسى وصية وحيدة، هل أنا من ولدت بخطيئتي من السهل أن اعيش باستقامة وسط الساقطين أمثالي! هل أحب آدم حوا أكثر من الله نفسه؟ هل خلق الله حوا لآدم لكي تكون السبب في سقوطه ولكي يثبت للانسان من بعده أن الله لا يبارك كل ما أو من يأخذنا منه حتى ولو كانت عطيته هو شخصيا ؟
لقد كانت حواء الطريق والسبب المباشر في سقوط آدم مع عدم تجاهل مسئولية آدم في ذلك ، لكنني أري أن آدم امتلأ بها أكثر من الله، أعطى الله آدم عطية وزوجة لكي تشاركه عبادته لله ولكي تعينه على تحقيق خطة الله فنسي الله وغاد ينفذ خطته هو وهي بمعزل عن صانعهما.
وأنا اليوم المخلوق الساقط أطالب نفسي ويطالبني الله ان أعيش باستقامة رغم السقوط، هل هذا عدل؟ وضع الله وصية واحدة لآدم وكسرها رغم أنه لم يكن انسان ساقط، هل سأستطيع أنا المولودة في خطيئتي أن أطيع وصايا الله؟
أم ان هناك معنى آخر لمفهوم الاستقامة عند الله، معنى لم أفهمه بعد؟ هذا المعنى يبعد كل البعد عن الوصايا ونفيذها، معنى لا علاقة له بكوني ساقطة او لم اسقط بعد، من الواضح لي أن الوصية واحدة للانسان وأزلية ولا علاقة لها بالسقوط! وعندئذ فقط... ألمح بصيص الانصاف والعدل، نعم إذا تكافئت الفرص أشعر بالعدل رغم صعوبة الامتحان، بل وأذهب بعيدا إلى زمان آدم قبل السقوط وأقول أنها نفس الوصية وهي وصية واحدة من يومها لم يعرف آدم أن يطيعها ونحن رغم سقوطنا مطالبين بأن نطيعها : "من كل شجر الجنة تأكل" كل مرة تعرض فيها الحياة عليا هذا أو ذاك فقط هي وصية واحدة ، دائما الاختيار هل إذا وافقت او اكلت او ذهبت في هذا الاتجاه اكون من الآكلين من هذه الشجرة ، الشجرة المحرمة؟ أم أن هذا الاختيار يتبع تصنيف " كل شجر الجنة" دائما وأبدا أمامي اختيارين " شجرة محرمة" و "كل شجر الجنة" ومن الواضح أيضا أن طبيعة آدم الغير ساقطة لم تجعله مكتفي بكل شجر الجنة رغم أن هذا الشجر في عدده وفي تنوعه يفوق منطقيا العدد والتنوع الموجود في الشجرة المحرمة، وبالتالي فتلك الطبيعة التي ورثناها من آدم وهي استعدادنا جميعا للسقوط " وليس السقوط" يجعلنا كل مرة أمام اختيار يشبه الاختيار الذي كان أمام آدم. بالطبع ظروف آدم والمميزات التي كان يمتلكها أكثر بكثير من التي نمتلكها " وهنا يكمن السقوط" لكن الله في صميم عدله ورغم أنه نفس الامتحان إلا أن طريقة التصحيح سوف تختلف، لن يجازي الله من عرف كمن لم يعرف " كل بحسب مقدار النور الذي كان لديه"
انت غير معفي ايها الانسان من الامتحان لكن الشئ المطمئن أن المصحح هو واضع الامتحان وهو يعلم جيدا من أنت وأين هو قلبك وماهو تاريخك وحجم صراعاتك كلها لحظة بلحظة.
في ايامنا الآن يوجد واضع للامتحانات ويوجد نموذج اجابة ويوجد الكثير من المصححين الذين لا يعلمون شيئا عن الممتحن، وكل ماعليهم فقط هو مقارنة الاجابات بنموذج الاجابة، فكيف نقبل هذا الاسلوب الغير منصف ونراه طبيعيا وعادلا ونأتي أمام الله ونتجرأ و نصرخ في وجهه ونتهمه في قلوبنا بعدم الانصاف " انه الكبريا" ذاك المرض الخبيث الخفي الذي ينخر كالسوس في نفوسنا دون أن ندري ووحدها نعمة الله تكشفه.
مريم