إنها حكاية أفلام هوليوود المعتادة التي طالما عرفناها وأحببناها ويمكننا أن نقصها عن ظهر قلب. فجهز المسليات والمشروبات لأن الستار على وشك أن يُرفع.
المشهد الأول: تتحرك الكاميرا إلى غرفة نومٍ صغيرةٍ قذرةٍ تعمها الفوضى.
هناك نرى رجلاً يسمى "جو المحروم من العلاقات الغرامية" مستلقيًا على السرير ومنهمكًا في قراءة سيرة "ورنالد ريجان". كان جو أشعث بدأ الصلع يزحف على رأسه ولديه زيادة طفيفة في الوزن وعمره 37 عامًا، وهو شخص خجول وغير اجتماعي وتعوزه الثقة بالنفس تمامًا. عمل جو إلى وقت قريب أمين مكتبة، لكنه الآن بلا عمل. لم يكن واعد أحدًا منذ أكثر من ثلاث سنوات، ولذلك يتملكه شعور باليأس والوحدة.
المشهد الثاني: يصطدم جو في طريقه إلى خارج شقته بعد ساعة بسيدة فائقة الجمال تبلغ من العمر 25 عامًا تسمى "كانديس" نتيجة لذلك، يسقط جو كل حقائب التسوق التي تحملها "كانديس الفاتنة الشقراء" مما يؤدي إلى بعثرة الحقائب في الممر. ينحني جو كي يساعدها في التقاط الأشياء. ويبدو أن كانديس لم تكن جميلة فحسب، بل كانت ودودة أيضًا وماهرةً في التعاملات الشخصية ومحبوبة من الجميع. تعمل كانديس بدوام جزئي نادلةً في مطعم فخم، وتقضي الجزء الأكبر مما تبقى من وقتها عارضة أزياء في إحدى وكالات الأزياء المشهورة. وعلى العكس من جو الذي ينتمي إلى الحزب الجمهوري المحافظ تُقدس كانديس الليبرالية. وفي خجل شديد يطلب جو من كانديس موعدًا غراميًّا، لكن ينتهي به الحال إلى الوقوع في زلة لسان محرجة من الزلات التي تحدث عنها فرويد بسؤالها هل ترغب في "ممارسة الجنس" بدلاً من "موعد غرامي". تضحك كانديس وتخبره في أدب أنها مرتبطة عاطفيًّا بأحد الأشخاص المشهورين (براد كرو – كروز) ولا يمكنها أن تواعد شخصًا آخر.
المشهد 50: بعد مرور ثمانية وأربعين مشهدًا في ساعتين ونصف، وبعد التهام ثلاث عبوات من الفشار، يتمكن جو على نحو ما من الفوز بقلب كانديس التي كانت قد أنهت علاقتها ببراد كرو – كروز منذ وقت قريب. كان جو قد اصطدم بكانديس مرةً ثانيةً بعد ستة أشهر في المطعم، لكنه في هذه المرة أسقط كل الأطباق والمشروبات التي كانت تحملها. وكانديس التي صدها عن جو في البداية حماقته وافتقاره إلى الوسامة الخارقة أصبحت تراه الآن ساحرًا ولا يقاوم. ينزل جو على ركبتيه ويطلب يد كانديس للزواج وتقبل. ثم ينزل تتر النهاية على الشاشة، وينزل الستار وقد اغرورقت أعين المشاهدين بالدموع.
إن كنت هذه القصة تبدو مألوفة للغاية، فذلك لأن فكرة "تجاذب الأضداد" تمثل جزءًّا أساسيًّا من مواقفنا الثقافية المعاصرة، فالأفلام والروايات وكوميديا الموقف تفيض بقصص عن شخصيات متضادة تمامًا تجمع بينها قصص حب ملتهبة. وهناك أيضًا موقع إلكتروني مخصص للأفلام التي تتناول "تجاذب الأضداد" مثل: فيلم "خادمة في مانهاتن" (1998) بطولة جينيفر لوبيز ورالف فاينس. وعنوان الموقع على الويب هو: http://marriage.about.com/od/movies/a/oppositesmov.htm. وربما يكون الفيلم الكوميدي كثير النجاح "ليلة عابرة" بطولة سيث روجن وكاثرين هيجل هو أحدث الحلقات التي تنتجها "هوليوود" في السلسلة غير المنتهية على ما يبدو من الثنائيات الرومانسية غير المتوافقة (وحتى لا يغضب محبو الأفلام فقد جاء طبقًا للموقع أن أفضل فيلم على الإطلاق تناول فكرة "تجاذب الأضداد" هو الفيلم الكوميدي "حدث ذات ليلة".)
يقتنع العديد منا أن الأفراد الذين تتضاد شخصياتهم ومعتقداتهم وهيئاتهم مثل جو وكانديس يزيد احتمال انجذاب بعضهم إلى بعض زيادة كبيرة (المصطلح العلمي لتجاذب الأضداد هو "التكامل"). فقد وجدت عالمة النفس لين ميكاتشن (1991) أن 77% من طلبة الجامعة يعتقدون بتجاذب الأضداد في العلاقات. وقد أورد الكاتب تيم لاهاي في كتابه المشهور "تجاذب الأضداد" أنه: "لا يتم الزواج مطلقًا بين شخصين لهما الطباع نفسها. لماذا؟ لأن الطباع المتشابهة تتنافر، ولا تتجاذب." (ص 43). وهذا الرأي الشائع في أجزاء متفرقة من مجتمع المواعدة عبر شبكة الإنترنت ذي الشعبية الكبيرة. ففي أحد مواقع الإنترنت الذي يُدعى "رفيق الروح"، يقول هارفيل هندريكس، الحاصل على شهادة الدكتوراه: "علمت من واقع خبرتي أن الأضداد "فقط" تتجاذب لأن هذه هي طبيعة الواقع." (وردت كلمة "فقط" في نص هندريكس بارزة على ذلك النحو ولسنا نحن من قصد إلى إبرازها.)
يقول هندريكس بعد ذلك: إن أكبر خرافة في ثقافتنا هي أن التوافق هو أساس أي علاقة، والواقع أن التوافق هو أساس الملل." ويخبر موقع آخر على الإنترنت يُدعى "الناصح في شؤون المواعدة" زائريه بأن: "المثل القائل "الأضداد تتجاذب" هو مثل صحيح بلا شك في بعض الحالات. فربما ينشأ الانجذاب المبدئي نتيجة لتنوع مظاهر الاختلاف... فبعض الأشخاص يرى الاختلاف مثيرًا."
مع ذلك، في علم النفس الشعبي يوجد لكل مثل شعبي تقريبًا مثل آخر مساوٍ له في القوة ومضاد له في الدلالة. لذلك على الرغم من أنه لا شك في سماعك المثل القائل: "الأضداد تتجاذب"، فالأرجح أنك سمعت أيضًا المثل القائل: "الطيور على أشكالها تقع." فأي المثلين تدعمه الأدلة البحثية على نحو أفضل من الآخر؟
لسوء طالع دكتور هندريكس تشير الأدلة البحثية إلى عكس ما تقترحه أفكاره، فعند الحديث عن العلاقات الشخصية، "لا" يتجاذب الأضداد، وتصير القاعدة "تجاذب الأمثال" لا "تكامل الأضداد". في هذا الخصوص تسير مواقع المواعدة التي تحاول التوفيق بين الشركاء المتوقعين على أساس تشابه السمات الشخصية والسلوكيات على الطريق الصحيح إلى حد بعيد. من أمثلة هذه المواقع على شبكة الإنترنت موقع "ماتش" Match.com وموقع "إي هارموني" eHarmony.com (على الرغم من أنه لا توجد أدلة بحثية على مدى النجاح الفعلي لهذه المواقع في التوفيق بين الأشخاص.)
في الحقيقة، توضح مئات الدراسات أن الأشخاص الذين يمتلكون سمات شخصية متشابهة يزيد احتمال انجذاب بعضهم إلى بعض عن الأشخاص الذين يتصفون بسمات شخصية غير متشابهة (لواك، ويكفيلد، وبريجز، 1985). على سبيل المثال: يفضل الأشخاص المنتمون إلى نمط الشخصية "أ" (الذي يتسم بالحماس البالغ وحب المنافسة والانتباه للوقت والعدائية) مواعدة شركاء ينتمون أيضًا إلى نمط الشخصية "أ" ويسري عكس ذلك على الأشخاص الذين ينتمون إلى نمط الشخصية "ب" (موريل، تويلمان، وسالاوي، 1989)، وتنطبق هذه القاعدة على علاقات الصداقة أيضًا، فكثيرًا ما يزيد احتمال مرافقتنا للأشخاص الذين يشبهوننا في السمات الشخصية أكثر من الأشخاص الذين لا يشبهوننا (نانجل، إيردلي، ذيف، ستانشفيلد، وجولد، 2004).
وبالمثل، ليس التشابه في السمات الشخصية مؤشرًا قويًّا على الانجذاب المبدئي فحسب، بل هو مؤشر على استقرار الحياة الزوجية والسعادة الزوجية (كاسبي وهيربنر، 1990؛ لازاروس، 2001) ويبدو أن التشابه في سمة النظام له اهمية خاصة في السعادة الزوجية (نيميتشيك وأولسون، 1999)؛ لذلك إن كنت شخصًا فوضويًّا وغير منظم، فقد يكون من الأفضل أن تجد شخصًا لا يفرط في حب النظام.
من هنا تتسع دائرة الاستنتاج النهائي المتمثل في "تجاذب الأمثال" إلى ما وراء الشخصية لتضم قيمنا وسلوكياتنا. ويوضح البحث الرائع الذي أجراه دون بيرن وزملاؤه أنه كلما زادت درجة التشابه بين سلوكيات شخص ما وسلوكياتنا (كوجهات النظر السياسية، على سبيل المثال) زاد ميلنا إلى الإعجاب بذلك الشخص (بيرن، 1971؛ بيرن، لندن، وريفز، 1967). ومن المثير أن هذه العلاقة تقترب في المعنى مع ما يسميه علماء النفس بالدالة "الخطية" (أو دالة المستقيم)، التي تؤدي فيها الزيادة النسبية في درجة التشابه لنا في ستة أشياء من بين عشرة يزيد بمقدار الضعف عن احتمال انجذابنا إلى شخص يشبهنا في ثلاثة أشياء من بين عشرة. مع ذلك، تشير بعض الأدلة على الأقل إلى أن "التباين" في المواقف والسلوكيات يزيد في الأهمية عن التشابه وذلك في التنبؤ بحدوث الانجذاب (روزنبوم، 1986). يعني ذلك أنه على الرغم من أن احتمال انجذاب الأشخاص ذوي المواقف والسلوكيات المتشابهة بعضهم إلى بعض قد يزيد بدرجة ضعيفة، فذلك الاحتمال يكون غير محتمل بشدة لدى الأشخاص ذوي السلوكيات المتباينة. وفي حالة السلوكيات، على الأقل، لا يتعلق الأمر بأن الضداد لا تتجاذب فحسب؛ بل بأنها غالبًا تتنافر.
بالمثل، طلب عالما الأحياء بيتر باستون وستيفن إيملين (2003) من 978 مشاركًا أن يضعوا ترتيبًا من حيث الأهمية لعشر صفات يبحثون عنها في رفيق العمر مثل الثراء والطموح والإخلاص وأسلوب التربية والجاذبية. بعد ذلك طلبا من هؤلاء المشاركين أن يصنفوا أنفسهم وفقًا للصفات العشر نفسها. وبدا أن هناك ارتباطًا واضحًا بين ترتيب العشر صفات في كلتا الحالتين، لكن هذا الارتباط كان أعظم في حالة السيدات منه في حالة الرجال على الرغم من عدم وضوح سبب ذلك الاختلاف النوعي بين الرجال والسيدات. مع ذلك، يجب ألا نسلم تسليمًا مطلقًا بصحة النتائج التي توصل إليها باستون وإيملين، فقد قامت كلها على آراء المشاركين أنفسهم وردودهم. وما يقوله الأشخاص عما يريدونه في الشريك قد لا يرتبط بما يريدونه حقًّا. وأحيانًا يبالغ الأشخاص في وصف أنفسهم. وما يقول الأشخاص إنهم يجلونه في الشريك المحتمل قد لا يكون دائمًا علامة على انجذابهم المبدئي للآخرين (وعلى أي حال، مر كثير منا بتجربة الوقوع في حب شخص ما علمنا فيه بعد أنه لم يكن الشخص المناسب لنا.) مع ذلك، تتفق نتائج باستون وإيملين إلى درجة كبيرة مع نتائج عدد هائل من الأبحاث الأخرى التي توضح أنه عندما نبحث عن رفيق للروح نحرص في المقام الأول على أن نعثر على شخص مطابق لطباعنا الشخصية ولقيمنا.
من أين انبثقت خرافة تجاذب الأضداد إذن؟ لا أحد يعرف يقينًا، لكننا سنعرض ثلاثة احتمالات. أولاً: علينا أن نقر بأن تلك الخرافة هي عماد قصص هوليوود المكررة؛ فدائمًا تكون حكايات ارتباط جو وكانديس في النهاية أكثر تشويقًا من حكايات ارتباط شخصين متشابهين، وذلك لأنه في أغلب الحالات يكون النوع الأول من القصص أكثر سعادة. ولما كان احتمال مصادفتنا لقصص "تجاذب الأضداد" يزيد عن قصص "تجاذب الأشباه" في الأفلام والكتب وبرامج التليفزيون، فربما يبدو لنا النوع الأول من القصص عاديًّا أو طبيعيًّا. ثانيًا: دائمًا نرغب في العثور على شخص "يكملنا"؛ ذلك الشخص الذي يمكنه أن يعوض نقاط ضعفنا.
وقد كتب بوب ديلان في إحدى أغنياته الرومانسية ("أغنية الزواج" التي طرحها للجمهور عام 1973) عن الرغبة في العثور على "الجزء المفقود" الذي يكتمل به بناؤنا، والذي يشبه إلى حد بعيد جزءًا مفقودًا في أحجية تكوين الصور المبعثرة. مع ذلك، عندما نصبح في موقف يتعين فيه الاختيار فقد ننجذب إلى الأشخاص الذين يجمعنا بهم تشابه كبير. ثالثًا وأخيرًا: يمكن أن يكون في خرافة "تجاذب الأضداد" شئ من الصحة، ذلك أن عددًا قليلاً من الاختلافات بين الشريكين يمكن أن يضفي على العلاقة بعض القوة والإثارة (بارون وبيرن، 1994). فالتواجد بصحبة شخص يرى كل شئ كما نراه تمامًا ويتفق معنا في الأمور كافة شئ قد يبعث الراحة في النفس، لكنه باعث على الملل في الوقت نفسه. مع ذلك، لم يقف أي باحث على صحة الافتراض القائل إن "الأشخاص المتشابهين الذين يتباينون في قليل من الأمور هنا وهناك ينجذب بعضهم إلى بعض". وحتى يتم ذلك للباحثين، فأغلب الظن أن العثور على شبيه ذي وزن زائد هو آمن الحلول لأمثال جو في الحياة الواقعية.
سكوت ليلينفيلد -ستنيفين جاى لين -جون روشيو- باري يايرستاين
من كتاب " أشهر 50 خرافة في علم النفس"