البنوة تعطينا مفتاح فهم خدمة الروح القدس
أن المطبّات والاتهامات المتعلقة بخدمة الروح القدس كثيرة بين المؤمنين اليوم. والمشكلة ليست في إيجاد يافطات لفظية بارزة، بل في معرفة ما يقابل اختبارياً عمل الله الذي تشير إليه هذه التسميات. فمثلاً، ندرك جميعنا أنّ الروح القدس يُعَلم فكر الله، ويمجد ابن الله وذلك بحسب المكتوب. كذلك، فإنه واسطة الولادة الجديدة، معطياً إيانا فهماً لنعرف الله، وقلباً جديداً لنطيعه. إضافة إلى ذلك، فإنه يسكن في المؤمنين ويقدّسهم وينشطهم في مسيرتهم اليومية. ومن مواهبه، اليقين والفرح والسلام والقوة. بيد أن كثيرين يتشًّككون بحدة من أن مثل هذه الأقوال لا تزيد عن كونها صيغاً، لا يقابلها شئ يعرفونه في حياتهم. من الطبيعي أن يشعر مثل هؤلاء المؤمنين بأنهم يفقدون شيئاً أساسياً، ويتساءلون بقلق، كيف يمكنهم ردم الهوة بين صورة الحياة بالروح القدس، كما يصّورها العهد الجديد، وبين إحساسهم بالعقم والجفاف في اختبارهم اليومي. وربما، يبادرون بيأس للبحث عن حدث فريد مغيّر يحطمون من خلاله، مرة والي الأبد، ما يسّمونه "حاجز العقم الروحي". والحدث يمكن أن يكون ما يُدعى"اختبار كزويك" أو "التسليم الكامل" أو"معمودية الروح القدس" أو"التقديس الكامل" أو "الختم بالروح القدس" أو موهبة الألسنة أو (إذا ما اخترنا التعريف بحسب الكاثوليكية بدلاً من البروتستانتية) "التجديد الثاني" أو صلاة الهدوء أو الاتحاد. بيد أنه ولو حصل شيء شبيه بما كانوا يبحثون عنه، فإنهم يكتشفون أنّ "حاجز العقم الروحي" ذاك، لم يتحطم على الرغم من كل ذلك؛ وهكذا ينتقلون بلا كلل سعياً وراء شيء جديد. هذه، مشاكل الكثيرين في هذه الأيام؛ فأية مساعدة يمكن تقديمها؟ أن الضوء الذي يسلّطه حق التبني على خدمة الروح القدس يوفر الجواب.
إنّ علةً مثل هذه المتاعب، كما وصفنا، هي نوع مزيّف من الإيمان الخارق للطبيعة الذي يقود الناس إلى اللهاث وراء لمسة مغيرة، كما من قوة كهربائية تجعلهم يشعرون شعوراً بالتحرر الكلي من أعباء العيش وقيوده، مع أنفسهم ومع الغير. انهم يعتقدون أنّ هذا هو جوهر الاختبار الروحي الأصيل. انهم يظنون أنّ عمل الروح هو أن يعطيهم اختبارات شبيهة برحلات استكشافية: (كم هو مُحبط أن يَعد المبشرون الإنجيليون بذلك، أو أن يساوي متعاطو المخدرات هلوساتهم بالاختبارات الروحية؟ ألن يتعلم جيلنا التمييز بين الأمور المتخالفة؟) في الحقيقة،هذا التطلع نحو انفجار داخلي بدلاً من شركة داخلية، يُظهر سوءَ فهم عميقاً لخدمة الروح القدس. والحقيقة الحيوية التي نحتاج إلى استيعابها، هي أن الروح القدس يُعطَى للمؤمنين باعتباره "روح التبني"، وفي كل خدمته للمؤمنين، هو يعمل كروح التبني. من هنا فإن عمله باستمرار هو أن يجعل المؤمنين يدركون بجلاء معنى علاقتهم الوثيقة مع الله في المسيح، وان يقودهم إلي تجاوب أعمق وأعمق مع الله في هذه العلاقة. يشير بولس إلى هذه الحقيقة عندما يكتب قائًلا: "أخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا أبا الآب" (رومية 15:8).
"أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخاً – أي يدفعكم لأن تصرخوا – يا أبا الآب" (غلاطية6:4). كما إن التبني نفسه هو الفكر الأساسي لكشف وجهة نظر العهد الجديد للحياة المسيحية والفكر المركزي لتوحيدها، كذلك فإنّ الإدراك أن الروح القدس يأتي إلينا كروح التبني، هو الفكر الأساسي لكشف كل ما يخبرنا العهد الجديد عن خدمته للمؤمنين والفكر الأساسي لتكامله.
من هنا نرى أن عمل الروح القدس له ثلاثة أوجه. في المقام الأول يحفظنا، ويجعلنا أحياناً واعين بصورة جلية، وأحياناً كثيرة واعين بصورة جزئية، حتى عندما يدفعنا هذا الجزء الفاسد منا لأن ننكر أننا أبناء الله بالنعمة المجانية في يسوع المسيح. هذا هو عمله في إعطاء الإيمان واليقين والفرح. في المقام الثاني، يحركنا لأن نتطلع إلى الله كما إلى آب، مظهرين نحوه الجرأة المتسمة بالاعتبار والثقة غير المحدودة، الأمرين الطبيعيين بالنسبة لأبناء يعيشون آمنين في محبة آب معبود. وهذا هو عمله في جعلنا نصرخ "يا أبا الآب" باعتبار أن الموقف الموصوف هو ما تعبّر عنة الصرخة. في المقام الثالث، يحرضنا لأن نتصرف وفقاً لمركزنا كأبناء ملوكيين بإظهار الشبه العائلي (أي مشابهتنا للمسيح)، وتقدّم خير العائلة (أي محبة الأخوة)، وصيانة كرامة العائلة (أي طلب مجد الله). هذا هو عمله في التقديس. من خلال هذا التعمق المتزايد للوعي بالبنّوية مع عمل ما هو محبوب لدى الله واجتناب ما هو مكروه لديه، نتغير بروح الرب في بهاء متصاعد أبداً إلي صورته عينها (2 كورنثوس 18:3) . لذا فليس الأمر أن نجدّ وراء المشاعر والاختبارات أياً كان نوعها، بل أن نطلب الله نفسه ناظرين إليه كآب لنا متمنين الشركة معه وواجدين في أنفسنا اهتماماً متزايداً لنعرفه ونسرّه.
عندئذ تصبح حقيقة خدمة الروح القدس مرئية في حياتنا. هذه هي الحقيقة اللازمة القادرة أن ترفعنا من ورطة الآراء غير الروحية عن الروح القدس التي يتخبط فيها الكثير.
ج. أ. باكر
من كتاب: "معرفة الله"
ص 226 - 228