حياتى كعازبة (1)

نادين البدير ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

هناك تحليل يفسر انخفاض حالات الزواج وارتفاع معدلات العزوبية في البلدان العربية، فيرجعه إلى أن الرجل العصري قد فقد حاجته لوجود الزوجة بسبب ظهور ما يعوض عنها في الأسواق، فهناك المطاعم وهناك المغاسل والأفران ومحال الملابس الجاهزة والخادمات وهناك الفتيات اللواتي لا يمانعن مرافقته دون زواج، أما امرأة اليوم فقد أشبعت بدورها الحاجة التي كانت تتزوج لأجلها سابقاً وهي الحماية والستر المادي عبر شهادتها ومهنتها ومناصبها الحديثة.

ويبرز هذا التحليل نمط العلاقة التجارية، التي تتشكل عبر الزواج بشكله التقليدي القديم: تغسلين هدمتي، فأشترى لك الفساتين، تطبخين فأهبك مكانا تبيتين فيه. وما أن ظهرت البدائل حتى انتهي شغف الزواج وتحول لقرار عقلاني يحتاج لتروٍ وتأن من قِبَل الرجال، أما من زاوية النساء، فصرخات الفتيات المستميتة الحالمة بالزواج تدفع للتساؤل: لماذا استعاض الرجل بالمدنية عن الزوجة الطباخة والغسالة ولم تستعض المرأة بمهنتها المتقدمة وموقعها المتساوي مع الرجل عن ظله وأمواله، أو فلنقل لم تُعِد تشكيل نظرتها للزواج بصفته خياراً لا فرضاً؟!

بحسب الأمثال والطرائف المجتمعية المتوارثة، هناك عداوة ذكورية للزواج، مقابل عشق نسوى أبدى له. مشاعرهما لم تتغير بغض النظر عن المنجزات ورياح العصرنة وظروفها. فقد يتعذر الرجل المنتمى للطبقات متدنية الدخل بتكاليف الزواج، الرجل فقير ولا حيلة له. لكن ذات الرجل في المجتمعات الغنية يتداول النكات حول أن الزواج حبس والزواج إنهاء للحريات.. في المقابل تبقى المرأة، سواء الثرية أو الفقيرة تحلم في نومها ويقظتها بليلة الزفاف.
لا شيء يضاهي رفاهية حياة العزوبية بالنسبة له، ولا شيء يعادل مسؤولية الحياة الزوجية بالنسبة لها.. لماذا تغيرت نظرة الرجل نحو الزواج ولم تتغير نظرتها؟!
إن كانت أشبعت حاجاتها المادية والاستقلالية فماذا بقى؟! إن تحدثنا عن الإشباع الجسدي سنجد أن العازب مشبع دون خسائر، أما العازبة فأن تشبع حاجتها الجسدية يعنى أن تنفق تكاليف باهظة من سمعتها وشرفها وقدرتها على الارتباط من جديد.. هل هذا هو سبب هوسها بالزواج؟

أصبحت عالمة، أصبحت طبيبة، أستاذة جامعية وصاحبة منصب رفيع، ولا يزال قلق العزوبية يأكل عافيتها ويبعد النوم عنها. ليست مسألة جنس وإنجاب فقط، فكثيرات يعتقدن أن الزواج يكمل مظهرهن المجتمعي ويدلل على أنوثتهن ويعيد لهن الكرامة والعزة أمام الشامتين والحاقدين. هل كان وهماً أمر التسابق مع الرجل والنضال لدخول مضماره؟! هي جسدت شخصية المرأة العصرية ظاهرياً فقط، فيما بقيت روح الجدة القديمة ساكنة في مخيلتها، الجدة التي تؤمن بأن الزواج هو غاية وجود النساء، مهما ترفعن. وما انهماك تلك الفتاة الندابة (التي تندب الزواج) بالتعليم والعمل والنضال النسوي سوى انغماس في تظاهرة متمردة قد تدر عليها عريساً لقطة يعيدها للجلباب ولسيرة جدتها الأولى. وبدلاً من أن تخلق صوتاً جديداً يلائم مكانتها الثقافية، تترك الماضي يجذبها إليه ونساء زمان يتحكمن في حياتها، متعذرة بضغط المجتمع عليها، رغم قدرتها على بلورته من جديد.

يستمتع الشاب بالعزوبية وتصنفها ذاكرته في خانة أجمل اللحظات، أما المرأة فتعيش أتعس أوقاتها عازبة، بل تجلد نفسها فتطلق على حالها (عانس) والعانس هي التي فاتها قطار الزواج أو التي تعدت الثلاثين، وفق منظومة السابقين، التي حددت عمراً أقصى للزواج. بحسب ذلك لابد من أن تجد رفيق دربك، الذي ترتاح له ويرتاح إليك وتعلم أنه الوحيد الذي تتمنى مشاركته الدهر قبل بلوغك الثلاثين، أي في الفترة العمرية الواقعة ما بين الثامنة عشرة والتاسعة والعشرين وهي فترة تفتقد نضج الثلاثينيات والأربعينيات. أصعب قرار في حياتنا نضطر لاتخاذه قبل أن ننضج بعد.

عليكِ أن تصادفي من يهواه قلبك في فترة عمرية معينة لأنكِ محددة بقوانين المجتمع ونظامه، الذي يتحكم بهواك وهيامك. ماذا لو أنى تزوجت في الحادي والعشرين لأرضى وقتها العائلة والمجتمع وأبعد لقب عانس عن وجهي، ثم التقيت رفيق روحي في الواحد والثلاثين! ماذا سأفعل؟
أندب حظي أو أخون.. أهذا ما يحدث للمتزوجين والمتزوجات على السواء: ندب الحظ أو الخيانة أو الطلاق؟

وقتها كان عمري عشرين عاماً.. أمي تستغرب كيف يتطاول بعض الشبان ويتجرؤون على التقدم لخطبتي فأنا في نظرها أساوى الكثير، والعريس الذي يمكن أن تتنازل فتمنحه إياي يجب أن يكون خارقا للعادة ويحمل رتباً لا آخر لها، أقلها رتبة وزير.

 

عمري خمسة وعشرون.. دخل أبى على الخط، ولسبب أجهله كان يراني خليفة لبى نظير بوتو وتاتشر ومجاواتي ابنة سوكارنو، لذا أعتقد أن العرسان، مهما بلغ مستواهم فهم دون المستوى المطلوب، نسي أن المرأة تصنع مجد الرجل أحياناً.

وأخيراً، تقدم المناسب، الذي زغرد له الجميع، أخبرتهم بالتوقف عن الزغردة لأني لم أرد الزواج. تفاجئوا. اعتقدوا أنى أقف منتظرة موافقتهم لأجرى فورا لحضن اختيارهم المزعوم.

لماذا يا مجنونة؟!

هناك أمور تدور برأسي وعلىّ إنهاؤها. أولها الخلاص من حكم العسكر التابع لكم.

كيف يمكن أن أتزوج ولم أحقق بعد حاجاتي المهمة في تحقيق الذات، وكيف أغامر فأنتقل لعش رجل لا أحبه ولا أعلم ماهيته وما إذا كان سيسمح لي بالتفكير أم سيمنعني عنه. صحيح أنى أعشق المغامرات وأخوضها لكنى أبتعد عن المخاطرة كلياً. ثم هكذا تقررون لي الزواج فأوافق فوراً؟! ماذا عن إرادتي؟ أنا لم أشبع بعد من حياة العزوبية، والأهم من العزوبية أنى لم ألتق حبيبي بعد. طبعاً، كنت أول فتاة تغامر فتجاهر بالحديث عن الحب والعزوبية وسط عائلتنا، التي تزوجت كل فتياتها صغيرات. لكنى لم أكن أهتم بكلام الناس قدر اهتمامي براحتي ومتعتي الحياتية ورغبتي في البقاء وحيدة فترة من الزمن أعرف بها من أكون، وأكسب التجارب والأحكام باستقلالية دون تأثير أو تدخل من أحد متغاضية عن مسألة العمر.

عمرك ثلاثون؟

 

حددي هدفك من الزواج: مصروف شهري؟ أمان؟ عضلات؟ حب وحنان؟ عندها، ستعلمين مدى استعدادك للارتباط. تمييز الشريك في نظري هو مؤشر الاستعداد.

عمرك ثلاثون؟ عمرك أربعون؟

 


لا تنسى الاستمتاع بالعزوبية. استمتعي بممارسة ما لا تستطيع المتزوجات القيام به. استمتعي. مؤكد أنك تهوين أموراً أخرى إلى جانب الزواج والإنجاب، وأن بداخلك بركاناً من الهوايات والرغبات، فهل عزوبيتك مشكلة؟! تصالحي مع نفسك فالحقيقة أنها مشكلة بنظر المجتمع، ليخجل منها المجتمع وليلطم لأجلها الخدود وليبكى عُقده النفسية. أما أنتِ فاعملي وتنزهي واسعدي واعشقي كما تريدين واجعلي القدر يسوقه إليك، رفيقا لروحك لا زوجاً واجباً عليك.

أخيراً، ضعي فروقا بينك كعازبة وبين متأخرة ترتضى لنفسها لقب عانس، قبل أن تشيخي وتتحسري على أجمل دقائق شبابك التي أمضيتها في الولولة ومتابعة هيجان المستميتات وحكايات العانسات المملات.

 

 

 

 

نادين البدير

مقتبسة من الإنترنت