لابد لك أن تحيى عبر آلامك بطريقة تدريجية كيما تجردها من سطوتها عليك. نعم ينبغي أن تمضي عبر موضع ألمك، لكن ليس قبل أن تكون قد اكتسبت أرضية جديدة تقف عليها. فالدخول إلى آلامك كما هي دون أرضية جديدة كفيل بأن يخلعك عن الهدف الذي تريد الوصول إليه.
ما هو ألمك؟ إنه اختبارك للحرمان من أهم ما تحتاج إليه. إنه الموضع الخاوي الذي فيه تشعر بشدة بغياب الحب الذي ترغبه أقصى ما ترغب. والعودة إلى ذلك الموضع أمر صعب جداً، لأنك هناك تواجه بجراحاتك وبعجزك عن أن تشفي نفسك. فأنت تخشى هذا الموضع بشدة لدرجة أنك تراه موضع الموت بالنسبة لك. وغريزة البقاء لديك تجعلك تهرب وتذهب للبحث عن شئ آخر يعطيك الإحساس بالطمان والسكينة حتى وأنت تعلم جيداً أنك لن تجده في هذا العالم.
يجب أن تبدأ بالثقة في أن اختبارك للوحدة والخواء ليس نهاية المطاف، وأن خلف هذه الخبرة يقع الموضع الذي فيه تكون محمولاً بالحب. فطالما لا تستطيع أن تثق في هذا الموضع خلف وحدتك وخوائك فلن تستطيع أن تعاود الدخول بأمان إلى موضع ألمك. لذا يجب أن تمضي عبر موضع ألمك بالمعرفة في قلبك بأنك قد وجدت فعلاً ذاك الموضع الجديد، وقد تذوقت بالفعل بعض من ثماره. وكلما تأصلت في هذا الموضع الجديد كلما صرت قادراً على توديع حزن الفقد الذي لذاك الموضع القديم ومن ثم ترك آلامك تمضي هناك. أنت لا تستطيع أن تحزن على شئ لم يمت بعد. لذا فآلامك القديمة وتعلقاتك ورغباتك التي عنت لك الكثير في وقت ما، كلها تحتاج إلى أن تدفن هناك. لابد وأن تبكي آلامك المفقودة حتى تتركك هذه الآلام تدريجياً، وتصير حراً لتحيى بالكامل في الموضع الجديد بدون كآبة أو اغتراب.
(الأب: هنري نووين)
من كتاب: "صوت الحب الداخلي"
ص 26، 27
ترجمة: مشير سمير
يُسمح بإعادة نشر المحتوى بشرط ذكر المصدر واسم الكاتب والمترجم