إن لكل الأشياء المرئية سطح. والسطح هو ذلك الجانب من الأشياء الذي يلوح لنا أولاً. فإذا نظرنا إليه فإننا نعرف كيف (تبدو) الأشياء. ومع هذا إذا تصرفنا وفق (ما يبدو) عليه الأشخاص والأشياء فإننا نـُصاب بخيبة الأمل. إن توقعاتنا تصاب بالإحباط، ولهذا نحاول أن ننفذ إلي ما وراء الأسطح لكي نعرف ما تكون عليه الأشياء حقاً. لماذا يبحث الناس دائماً عن الحقيقة؟ هل لأنهم قد أصيبوا بالإحباط بالنسبة للأسطح وعرفوا أن الحقيقة التي (لا) تسبب الإحباط قد تستقر أسفل الأسطح في العمق؟ ولهذا ينقب الناس في مستوى تلو الآخر. وما يبدو حقيقياً ذات يوم يعاش علي أنه مزيف في اليوم التالي، إننا عندما نواجه شخصاً فأننا نتلقى انطباعاً. ولكن غالباً إذا ما تصرفنا علي هذا النحو نـُصاب بالإحباط من جراء سلوكه الفعلي. إننا نلمح مستوى أعمق من شخصيته ويكون إحباطنا أقل لفترة. ولكن سرعان ما قد يكون عكس كل توقعاتنا؛ ونتبين أن ما نعرفه عنه لا يزال مزيفاً. ومرة أخرى ننقب أعمق في وجوده الحقيقي.
إن عمق الفكر جزء من عمق الحياة. ومعظم حياتنا تستمر علي السطح. إننا سجناء روتين حياتنا اليومية في العمل وفي اللذة، في الشغل والاستجمام. إننا مقهورون بالمخاطر العديدة منها والشريرة إننا منساقون أكثر منا سائقين. إننا لا نتوقف لكي ننظر في الارتفاع فوقنا أو في العمق أسفلنا إننا دائماً نتحرك إلي الأمام رغم أن هذا يتم عادة علي شكل دائرة وهذا يردنا في النهاية إلي الموضع الذي انطلقنا منه في البداية. إننا في حركة دائمة ولا نتوقف أبداً لكي ننغمر في العمق.
إننا نتكلم ونتكلم ولا ننصت إطلاقاً للأصوات التي تتحدث لعمقنا ومن عمقنا. إننا نتقبل أنفسنا كما تبدو لأنفسنا ولا نعبأ بما نحن عليه حقاً. ونحن أشبه بالسائقين الطائشين نجرح أنفسنا بالسرعة التي نتحرك بها علي السطح؛ ثم نندفع وقد خلفنا وراءنا نفوسنا الدامية وهي وحيدة. إننا- لهذا – نفتقد عمقنا وحياتنا الحقة ولا ننظر إلي مستوى أعمق من وجودنا إلا عندما تتحطم الصورة التي لدينا عن أنفسنا كلية، وإلا عندما نجد أنفسنا نتصرف ضد كل التوقعات التي اشتققناها من تلك الصورة وإلا عندما يهز زلزالُ سطح معرفتنا الذاتية ويثير فيها الاضطراب.
-------------------
بول تيليك
من كتاب "زعزعة الأساسات"