الإنسان وحيد.. ليس من إنسان آخر يشعر أو يفكر أو يسلك مثلنا بالتمام. فكل منا متفرد، والوحدة التي نشعر بها ما هي إلا الوجه الآخر لهذا التفرد. لكن المشكلة المطروحة هنا هي في الاختيار: هل ندع هذه الوحدة تتحول إلي عزلة، أم ندعها تقودنا نحو الاعتكاف. إن العزلة مؤلمة، فيما الاعتكاف يقودنا نحو السلام. العزلة تجعلنا نتشبث بالآخرين في يأس، فيما يجعلنا الاعتكاف نحترم تفرد الآخرين، وبالتالي نكون مجتمعا معا.
هي رحلة طويلة وشاقة، بل هي صراع نظل فيه طوال العمر: أن ندع الوحدة تنمو في طريق الاعتكاف، ولا تقودنا نحو العزلة. وهذا الصراع يتطلب خيارات واعية عمن يصحبنا، ماهية المواد التي نتعلمها، كيف نصلي، ومتي نطلب المشورة. غير أن الخيارات الصحيحة ستساعدنا لنصل إلي الاعتكاف حيث تنمو قلوبنا في طريق الحب.
صوت هامس في حديقة الاعتكاف
الاعتكاف هو حديقة قلوبنا التي تتوق للحب. إنه المكان الذي يمكن لوحدتنا فيه أن تطرح ثماراً. إنه واحة الراحة لأجسادنا المتململة، وأذهاننا المتوترة. إنه لازم لحياتنا الروحية، سواء كان مرتبط بمكان مادي أم لا. الاعتكاف ليس بالمكان المحبب للإنسان لأن يظل به: إذ أننا مملوءين بعدم الأمان والخوف إلي الدرجة التي تدع أية وعود بالمتعة اللحظية تشتتنا. أما الاعتكاف فهو لا يمدنا بالمتعة اللحظية، ففيه نتقابل والشياطين القابعة في أعماقنا: نتقابل وإدماناتنا، وشهواتنا، وغضبنا، واحتياجنا الماس للتقدير والقبول. لكننا إن صمدنا ولم نهرب من كل هذا، هناك سنتقابل مع ذاك الذي يقول: لا تخف، أنا معك... أقودك في وادي ظل الموت..
فلنواظب علي العودة إلي الاعتكاف
هنري نووين
من كتاب: خبز للطريق
(قراءات يومية)