إني مهتم جدا بأن هناك أناس يمارسون ألعاب السلطة مع الله. يفرق برونيسلو مالينوسكي، أحد أعظم الانثروبولوجين (العالمين بعلم الإنسان) بين السحر والدين بإن السحر هو أسلوب يسعى فيه الناس علي التحكم في القوة الروحية لينالوا ما يبغون. السحر هو أداة للحصول علي القوة ليملوا علي القوة الروحية ما تفعله. وبعكس ذلك فالدين هو أن يسلم الناس أنفسهم للقوة الروحية ليصبحوا خدام لتعمل من خلالهم هذه القوة الروحية في العالم.
ووفقاً إلي تعريفات مالينوسكي، فإن هناك الكثير من السحر في الكنيسة يعبر عن نفسه كنوع من الدين. فبينما يبحث الناس عن شكل صحيح لاستجابة صلواتهم يحاولون مساومة الله. فيعرضون تقديم خدمات معينة لله لكي يرغموه لفعل أمور خاصة بهم.
كان هناك شاب في الكلية التي أعلم بها يواعد مساعدة الأسقف بالمخيم والتي لم تكن تبدي اهتمام خاص به، وقد أتي إلي مكتبي الخاص ليتحدث عن ما يمكنه أن يفعله حتى يجعلها تحبه. لقد أقترح أن الصلاة يمكنها أن تجعلها تميل إليه. فقد قال:"في النهاية، كل شئ ممكن بالصلاة". وقد أراد أن اتحد معه في محاولاته للصلاة "فان صلاة المؤمن تقتدر كثيرا في فعلها". لقد شعرت بالزهو لأنه اعتبرني مؤمن قادر. ولكني لم أستطع الخوض معه في مخططه. وكان عليّ أن اطلب منه أن يسلم لإرادة الله، مهما كانت، وإلا فإنه يسعى للضغط علي الله للخضوع إلي رغباته الخاصة. لقد كان يؤمن بالله الذي يمكن أن يسيطر ويتسلط عليه حسب رغبات الشخص الخاصة والذي أيضاً يتسلط علي الآخرين عند الطلب. ولقد بذلت الكثير من الجهد لإقناعه بعكس ذلك.
الصلاة المسيطرة
علي مستوي أقل من الأنانية يجب علي طرح أسئلة ملحة عن الانطباعات والمفاهيم الشخصية القائلة بأننا إذا صلينا كما يجب يمكننا أن نحمل الآخرين علي الخلاص. ويمكنني أن اخبر عن كثير من الأمهات آلاتي يشعرن بالذنب لأن أبنائهن وبناتهن لم يأتوا للرب. لقد اُجبِروا علي الاعتقاد بأنهم لو صلوا كما يجب و تبعوا الله بصورة أفضل سيمكنهم حمل أبنائهن على الخلاص. وبالرغم من أني لن اشكك للحظة في أهمية الصلاة إلا أنني لا أريد أن تتحول الصلاة إلي وصفة سحرية تأتي بنتائج مضمونة للصلاة. وكلنا نعرف أهالي صلت باجتهاد لأبنائها البعيدين عن الرب ولم ينالوا سوي أن هؤلاء الأبناء ظلوا بعيدين عن الرب. وفي بعض الأحيان يدين هؤلاء الأهالي أنفسهم بالخطأ بأنه لو كانت لهم قدرات روحية أكبر وقدرة أكبر في طلب الله لاستطاعوا تخليص أبنائهم.
هناك مشاكل حول مثل هذه النظريات. أولاً، أنها تفترض أن الله لا يريد تخليص هذا الطفل إلي أن ظل الأهل خلفه بقدر كافي. مثل هذه الأفكار تسيء لله الذي لا يريد أن يهلك أحد (بط 3 :9). فهو يحب هؤلاء الأبناء البعيدين اكثر من محبة أهلهم لهم وهو مكسور الفؤاد لرفض هؤلاء الأبناء محبته اكثر مما يمكن لأب أو أم أن يكونا.
وأيضا مثل هذه النظرية تفترض أن الله يمكنه أن يجبر الناس علي الخضوع له إن نحن فقط أقنعناه بأن يريد ذلك فعلاً. وهذه ليست بطرق الله. فهو يحب، وهو يناشد، وهو يتوسل ولكنه لا يرغم. فالناس لم تـُخلق علي أنها عرائس يمكن أن يتحكم فيها عبر صلوات الآخرين. وفعلياً، أن الشخص البعيد يجب عليه أن يختار بملء إرادته أن يسلم حياته أو حياتها للمسيح.
ماذا تفعل الصلاة
لا أريد أن أعطى الانطباع بأن الصلاة لا تنجز شيئاً وبأنه ليس لها تأثير علي الضال والضائع. أنا أؤمن جدا أن صلاة الشفاعة تحيط الشخص بمحبة الله بشكل خاص. بالصلاة نحن لا نتسلط علي الله إنما نكون أدوات طيعة يمكن لحبه أن يتحرك خلالها للأعزاء علينا. ولكننا دائما ما نتصور أن الصلاة هي الأداة التي نصل بها نحن لشخص ما من خلال الله. ولكني أرجح أن الصلاة هي وسيلة يمكن أن يفيض من خلالها الله لهذا الشخص الآخر. وكلنا يمكننا أن نكون وسائل توصيل خاصة بالله. أنا مقتنع أنه خلال الصلاة نحن نصبح قنوات يتفجر خلالها حب الله الحنان ويعانق الأشخاص الآخرين. كلما زادت صلواتنا وزاد عدد الناس المصلين زادت القنوات التي يمكن لحب الله الأبدي أن يتفجر خلالها ليصل للشخص الذي نتمسك بالصلاة لأجله.
خذ في الاعتبار كيف صلي يسوع. لم يكن يصلي ليغير مشيئة الأب، بل علي العكس ليصبح أداة طيعة يمكن للآب أن يصنع من خلالها أمور رائعة وعظيمة. قال يسوع للآب: "ليست مشيئتي، بل مشيئتك" (متي 26 : 39). لم يكن المسيح يحاول أن يجعل الآب يفعل ما لم يخطط أن يفعله قبل أن يخبر به. بل علي العكس من ذلك كان يسوع يقدم نفسه للآب كأداة كاملة ليتحرك خلالها الآب في حياة الأشخاص المحتاجين. كان المسيح يصلي ويصوم باستمرار. إن الله يمكنه أن يصنع الكثير من خلالنا لو أصبحنا بالصلاة والصوم أدوات طيعة وقنوات يتحرك بها الله في حياة الآخرين.
ومع ذلك لا تؤدي الصلاة إلي استجابة فورية. يمكن للشخص الذي نصلي لأجله أن يحاط أكثر بمحبة الله الحنونة عنه أن لم نصلي لأجله. فحضور الله يمكن أن يحاصر هذا الشخص أكثر منه لو صلينا عن أن لم نشأ أن نكون أواني يعكس الله نفسه خلالها. أيضاً يمكن لجمال الله أن يصبح أكثر جلاء لأن الله يستخدمنا كأدوات ليصل للناس. وبالرغم من كل ذلك يمكن للأشخاص الذين نصلي لأجلهم أن يرفضوا. لذلك هناك جحيم والناس يذهبون إلي هناك – هؤلاء من يرفضون الخضوع لمحبة الفادي العظيمة الذي حاصر حضوره حياتهم من خلال الصلوات الأمينة.
دائما ما أذكّر كل من يصلون بأمانة لأجل أصدقائهم وعائلاتهم الذين لم يخضعوا لله أن المسيح نفسه كانت له عائلة رفضت أن تقبله. كان له الكثير من الأشقاء لكن القليل فقط منهم من قبل أن يعترف به كالسيد الرب. والباقين مثل الكثير من الذين نصلي لأجلهم رفضوا أن يقبلوا طلب محبته. إذا كان من المستحيل علي المسيح أن يقهر ويتسلط علي تمرد أخوته فليس من المفروض أن نتصور أنه سيفعل ذلك مع أخوتنا وأخواتنا، لأنه من خلال الصلاة يمكن لحضور الله المحب أن يؤثر علي حياة الناس ويصبح واقع حي لهم ولكننا لن نقدر أن نضمن خلاص الأشخاص الذين نحب عبر الصلاة. لأن الصلاة ليست بالقوة السحرية المتسلطة. ومع ذلك لأبد أن ندرك أنه يكون هناك احتمال كبير أن لا يخلصوا لو لم نصلي لأجلهم.
أنا مدرك بأن ما أقوله ينطوي علي الكثير من التضامن ولكني مقتنع أن هذا التضامن هو بحسب مشيئة الله. فأولاً، لو أن ما قلت صحيح فإننا نصبح شركاء الله في الوصول بمحبة الله إلي المفقودين. وأظن أن هذا هو ما يعنيه الكتاب عندما يقول أننا عاملون مع الله لخلاص الضائعين (2كو 6: 1). إن الله يدعونا أن نصبح جزءاً من خطته للبلوغ إلي العالم. وكرامتنا وقيمتنا قد تثبتت أبدياً بالخبر السار أن الله يريد أن يستخدمنا كأدوات لمحبته، وإنه يريدنا أن نصبح شرايين من خلالها يختبر الأشخاص الذين يحتاجونه حضوره.
وأنا مدرك أن ما قلته يعني أن الآب يستطيع أن يفعل من خلالنا ما كان قادراً أن يفعله من خلال المسيح. ومرة أخري اثني علي أن هذا هو ما أراد الشاهد الكتابي تعليمه لنا. وقد قال يسوع ذلك بنفسه: "الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فالأعمال التي أنا اعملها يعملها هو أيضا ويعمل اعظم منها لأني ماض إلي آبي" (يو 14 : 12).
ولا عجب أن الرسالة إلي رومية تقول: "الروح نفسه أيضاً يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله. فإن كنا أولاداً فإننا ورثة أيضاً ورثة الله ووارثون مع المسيح. إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضاً معه" (رو8 : 16-17).
لقد آن الأوان لكي نتحول عن طريقة تديننا التي يدعوها مالينوسكي بوضوح كنوع من السحر. يجب أن لا تتدنى الصلاة إلي كونها ممارسة لألاعيب السلطة مع الله. فالدين الحقيقي ليس التسلط علي الله ولكن الخضوع لمشيئته وخدمته. في الدين الحقيقي يكون الله قادرا أن يستخدمنا لنبارك الآخرين. ولذلك كتب يعقوب في رسالته: "الديانة الطاهرة النقية عند الله الآب هي هذه افتقاد اليتامى والأرامل في ضيقتهم وحفظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالم" (يع 1: 27).
أنتوني كامبولو
من كتاب "The Power Delusion"
ص 57 - 62
ترجمة: إدارة الخدمة