البناية
-غشنا الموانون يا سيدي المقاول.
-ماذا؟! أتخبرني بذلك الآن؟!
-الآن أفضل من فيما بعد. أفضل من أن تسقط البناية عليك وعلى السكان.
-لماذا لم تخبرني منذ البداية؟!
-لقد عرفت لتوي, من بضعة تصدعات وشروخات ومن علامات أخرى.
-وما الذي غشوه بالضبط؟
-كل شيء. المبنى متصدع ويهتز عند مرور المركبات جواره, ولا يتحمل نفسه, أخشى أنه قد لا يتحمل الزلزال القادم.
-ما الذي فسد تحديداً؟
-كل شيء. خلطة الثقة والتشجيع والشجاعة, حديد تسليح الحب والرعاية والأمان, مونة الرغبة في الحياة.
-كل شيء ضاع إذن.
-أخشى أنك مصيب.
-إنها كارثة.
-ربما لم يكن من المفترض أن تعمل عقلك, وكان من الحري أن نلجأ للمهندس الاستشاري منذ البداية.
-كف عن تأنيبي! لست أتحمل نفسي. سأخسر كل شيء.
-سلم المشروع قبل أن ينهار.
-فلنبني مدعين أننا لم نعرف ما تقول.
-لو لم تتوقف وترمم مبناك, فكل ما هو قادم مصيره الهدد.
-ربما من اللازم أن نبدأ بناية جديدة في مكان جديد.
-لا, ستترك ما أفسدت فاسداً, وسترتكب ذات الأخطاء, لأنك نفسك لم تتغير.
-ربما يجب أن نهد ما بُنِيَ.
-لن يمكنك محو ما فعلت.
-أتركني لأفكر, أنت لا تسعف.
-أنا العامل العقلاني لن تجد سواي يحلل معك الأمر.
-اصمت دعني أفكر.
-كل تلك العلامات الخطيرة تقودك لذات النتيجة. سلم المبنى.
-انصرف أيها العقلاني, واجلب لي عاملي العاطفي, قد ينجدني في مثل تلك الظروف.
-إنه منعزل, يرفض أن يكلم أحد.
-اجلبه بالقوة.
-وليكن.
-أيها العاطفي, ما لك ترفض المجيء؟
-لست في حالة تسمح, غاضب وثائر وهائج, وفي المقام الأول على نفسي.
-لقد ناديتك لتعطيني دعماً معنوياً لا لتبكيني.
-اعذرني, فالموقف لا يحتمل التربيت والهدهدة, يجب أن تقف وقفة قوية. توقف عن البناء وراجع المبنى من بدايته.
-ماذا؟ أتعلم كم سيكلفنا هذا الأمر, من المفترض أن يصل ذلك المبنى للسحاب قريباً.
-مبناك المهتز خال لا يسكنه سوى الأشباح ولو استمررت على نفس الطريقة سيتداعى قبل أن تدرك.
-لقد خانوني يا عزيزي, طعنوني في ظهري, دون أن أراهم, دون أن أعي ما يحدث.
-اسمح لي بالتدخل في الحديث يا سيدي المقاول.
-ماذا تريد أيها العامل الروحي.
-لقد خانوك وضيعوك وألموك, ولكن مسئولية المبنى واسكانه وتعميره وإفادة الآخرين به ملقاة على كتفيك, ومعك في المدينة كل الوسائل المساعدة لتبنيه, معك زملاءك, معك كتبك, معك المهندس الاستشاري, لم يعد لك عذر يا صديقي.
-ولكني استلمت مبنى خرب. هذا ليس بعدل.
-ولهذا سيقوم مبناك بشكل فريد مميز عن البقية, سر المسيرة ولا تهرب من الحقيقة.
-اصمت, اصمتوا جميعاً, يا لكم من كئيبون مكئبون! انصرفوا انصرفوا. أين أنت أيها العامل الجسداني, أين أنت.
-أنا هنا يا عزيزي.
-ما بال عينك زائغة هكذا؟
-لأنني حضرت لك ما لذ وطاب من مأكولات ومسكرات وغانيات.
-أحسنت أيها الرجل, كنت في حاجة ملحة حقيقية للترويح عن نفسي الحزينة, هكذا تتوازن الحياة.
-سيدي المقاول, مر الكثير من الوقت منذ جلست مع العامل الجسداني, لقد هربت إليه بما فيه الكفاية, فلتلتفت الآن للكارثة المحدقة بك.
-ماذا تريد يا عامل الضمير, لقد تخلصت بالكاد من العقل والنفس والروح, ما الذي أتى بك إلى هنا؟
-مبناك فارغ, يتهاوى, لا يكاد يقوى على الوقوف, في حالة يزدرى بها, يترنح في الشارع, وأنت تجلس هنا تشرب المسكر, يجب عليك أن تخجل من نفسك.
-اصمت أيها اللعين, لم يزدني الكلام معكم سوى المزيد من الألم والوجع, بلا حلول منطقية.
-لا نعدك بحلول سريعة, لكنها منطقية وسليمة ومضمونة, هيا سلم حياتك للاستشاري وافحص مبناك بنفسك بمساعدة لجنة مختصة, وادع زملاءك الخبراء للمبنى ليدلوا بدلوهم, الأمر ضروري وحياتك تعتمد عليه.
-حسناً, سأحاول.
-الآن أيها النزق, وكف عن محاولات الهروب التي لا تزيدك سوى دماراً.
-حسناً, حسناً.. اتركني لأقرأ الآن.
-لا تقلق, لن أتركك, وسأدعو زميلي عامل الإرادة ليصاحبك في الطريق. وسنلازمك طول الطريق. هيا ادع المهندس أثناء قراءتك, كفاك ما ضيعته من وقت.
-معك حق.
-أحسنت, لقد أتى المهندس, أين ستجلسه؟
-سأجلسه على أكبر مقعد في البناية, مقعد التحكم الكلي, إنه الحل الوحيد, لقد صرت متأكداً بما لا يدع مجالاً للشك.
-لقد زاد رواج زملائك على قلبك, إنهم يستمتعون بقضاء الوقت مع المهندس الاستشاري.
-وأنا سعيد باستضافتهم عندي.
-إنهم أكثر سعادة الآن بالمقارنة بالوقت الذي قضوه يستمعون لك.
-وأنا أيضاً أكثر سعادة باختفائي, لم يورثني وجودي المجرد سوى الدمار.
-أحسنت يا صديقي, استمر, لك منا كل مساندة, نحن معك هنا, الضمير والإرادة.
-أشكركما.
-ونحن أيضاً معك, عاطفتك وأفكارك وصلتك بالمهندس.
-أشكركم يا نفسي وعقلي وروحي.
-بدوني رغم كل شيء ما كنت لتتحرك, أنا صلتك بالأرض, أنا الجسد.
-أشكرك أنت أيضاً. هيا بنا جميعاً الآن لنبني بنايتنا.
31 مايو 2010
عماد ميشيل