"مبارك هو الرب ADONAI إلهنا، ملك الكون، الذي يوجِد الخبز من الأرض."
إحدى البركات من التقليد اليهودي
ما معنى الكلمة العبرية b'rakhah أي "أن تُبارك"؟
إن جذر الفعل الأصلي لكلمة بركة barukh – الكلمة العبرية التي تُترجم عادةً "bless" – تعني حرفيَّا "أن تنحني". والاسم منها يعني "ركبة"، كما أن تقول "أن تحني الركبة". ولهذا، فإنني إن باركتُ أحدًا بالحقيقة، فلستُ فقط أتمنى له أن يكون بخير، ولكنني أنحني له. أُعطي نفسي له. باختصار، أصبح ضعيفًّا.
عندما نُنشد، "باركي يا نفسي الرب" أو "مبارك هو الرب ADONAI"، فنحن نقبل بأن نلتزم ليس فقط بأن نقدم تسبيحنا لله ولكن أيضًا بأن نقدم أنفسنا له[1]. عندما نطلب من الله أن يباركنا، فنحن نعترف بشيء أعظم – نحن نُقر برغبة الله في أن يُعطينا ذاته. ومن خلال تلك الكلمات، نحن نعترف بأن إلهنا على استعداد أن يظهر ضعيفًا لأجل شعبه.
الضَعف في البركة
إن اشتياق الله إلى أن يُعطي نفسه للبشر لهو أمر قديم، يعود في قدمه إلى جنة عدن. ففي الجنة، رفض الله أن يحتفظ لنفسه ببهجة خلق الحياة الجديدة فمنح البركة في العلاقة بين آدم وحواء لتسري في نسلهما؛ "وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ" (تك 1: 28). وفي سفر الخروج، رفض أن يحتفظ لنفسه ببركة الامتلاك، فبارك شعبه المتغرب في مصر بالعودة إلى الأرض التي تفيض لبنًا وعسلاً (تث 26: 6-9؛ 28: 3-6). وفي التجسد، رفض حتى أن يحتفظ بالسماء لنفسه – فنزل إلى الأرض وقبل المخاطرة بأن يصير مرفوضًا حتى يمكنه أن يُرحب بمن هم مثلي ومثلك في السماء.
وكيف نزل؟، لقد تحد بلاهوته مع بشريتنا في بطن العذراء، وكجنين أخذ ينمو لمدة تسعة شهور تحت قلب فتاة ريفية. "لقد كانت آخر لحظات راحته الحقيقية هي اللحظة الأخيرة قبل خروجه من رحم أمه. بعدها، لاقاه معلف مُستعار تغتذي منه البهائم، وبدأت قصة آلامه"[2]. وقد ظهر في زاوية مهملة من الإمبراطورية الرومانية كطفل رضيع لا يستطيع الكلام أو أكل الطعام الصلب[3]. تحمَّل سني المراهقة، ومدينته الأصلية كانت مقاطعة الجليل تلك التي كانت مثار تهكم وسخرية الكثيرين في أورشليم، تمامًا كمن يسخر من قاطني قرى الصعيد الداخلي من سكان المدن[4].
من خلال التجسد في شخص يسوع المسيا، عانق الله أعمق درجة من الضعف. فقد بارك الله خليقته بطريقة فريدة. وفي تقاطع عارضتين من الخشب مغموستين في الدم، أصبح المعنى الكامل للبركة بشكل مؤلم. لأنه على أداة الإعدام الرومانية، خضع الخالق الكلي القدرة للألم عن عالم مُحطَّم وأعلن مرةً وللجميع، ماذا يعني أن تكون بركة.
البركات والخدمات
مازال شعب الله مستمرًا في نسيان معنى البركة، فيخلط بين البركات وتقديم الخدمات للآخرين. ولذلك انتبه جيدًا للفرق: أن تقدّم خدمة لهم أمر ميسور، إنه هدية قصيرة الأجل، وعادةً تُعطي انطلاقًا من الشعور بالواجب. أما البركة، في الجانب الآخر، هي اختيار واعي بأن تفتح ذاتك لإمكانية الألم والرفض، فيمكننني أن أقدم خدمة إلى شخص ما بدون مخاطرة، ولكن ليس هكذا عندما أُبارك شخص ما. فعندما أمر الله الإسرائيليين أن يكرروا كلمات "الرب ADONAI يباركك"، لم يكن يقصد أن يُظهر مجرد حُسن نيته نحوهم، ولكنه أيضًا يُعلن أن اختار أن يُصبح ضعيفًا لأجلهم. لقد كان يُعبّر عن استعداده أن يخاطر بالرفض على أيدي شعبه الخاص.
في الظاهر، نحن نعتقد أن الله يريد أن يُباركنا – على الأقل هذا ما ندَّعيه. ولكن أسفل عباءاتنا المريحة من الأفكار والمناهج والصيغ الإيمانية، أتوقع أن معظمنا مازال يعتقد أن الله يعمل بحسب نفس القواعد التي في عالمنا – قدّم خدمات لكي تربح خدمات. مثل الطفل المدلل المشاغب في محل لعب أطفال الذي يريد لعبة ما، ولكي يحصل عليها يفترض أن يتمّم المهام المطلوبة منه؛ كأن يقرأ الكتاب المقدس ثانية هذا العام! على سبيل المثال، وفي المقابل فإن الأب سيقدم له ما يريد في تبادل نفعي من الخدمات. إن التفكير بهذه الطريقة يُفقدنا تمامًا أن نُبارِك وأن نُبارَك.
عندما نعتقد أن الله يتفاعل من البشر بحسب نظام المنفعة، يحدث أمر من اثنين: يبدأ بعض الناس في تصديق أنهم يستطيعون أن يعلموا أعمالاً حسنة بالقدر الكافي الذي يمكنهم من أن يخطبوا ود الله، إلا أنهم مازالوا يُضيِّقون على أنفسهم منهمكين في المحاولات. هؤلاء القوم يحضرون كل اجتماع، ويُعلِّمون في كل مرحلة من مدارس الأحد، ويصلحون كل صنبور يسرب المياه في مبنى الخدمات، هؤلاء هو الرجال والنساء الذين يقدمون خدمات كثيرة جدًا لشعب الله، لكنهم لم يتعلموا أبدًا كيف يستقبلون بركات الله أو يبتهجون بها. إنهم يعملون لكي يكسبوا حبًّا هم بالفعل يمتلكونه، ويرتعبون من أن يخسروا حبًّا لا يمكنهم أن يفقدوه.
ولكن توجد مجموعة أخرى من الناس، هؤلاء دعاهم يسوع "المساكين بالروح" (مت 5: 3). هؤلاء القوم يعرفون أنهم لا يملكون شيئًا يقدمونه لله. والأهم من ذلك، أنهم يدركون أن الذي يشتهيه الله منا ليس زيادة إحصائية لعدد الأعمال الحسنة التي نعملها، ولكن الذي يريده الله هو نحن، مستعدين للتغيير ومجرَّدين من محاولاتنا المثيرة للشفقة أن ننال إعجابه.
والأعظم من هذا، ما يريد الله أن يعطينا إياه ليس هو بعض من الهدايا يغدق بها على الكون، أو مكانة أفضل في أحد أوجه حياتنا، أو مشكلات أقل من أوجه أخرى. فالله أمر شعبه أن يقولوا الكلمات الآتية: "الرب ADONAI يباركك"، لأنه تاقٍ أن يُعطي أولاده ذاته كهدية. البركة ليست عبارة عن استقبال عطايا، ولكنها عبارة عن استقبال الله نفسه. إن تلقي بركة حضور الله هو أن تبتهج في الله، ليس لأنه يقدم لنا إحسانات، ولكن لأنه شاركنا بهويته الخاصة المقدسة.
أن تكون بركة
لا يزال هناك تكلفة ما عندما تأخذ بركة الله: فقد أخبر الله إبراهيم: "سأباركك، وسأعظم اسمك"، وأيضًا "ستكون بركة" (تك 12: 2). فإذا أخذتُ بالفعل بركة الله، يجب عليّ أن أكون بركة الله للناس من حولي – وهذا ليس سهلاً. فقد وصف سمعان بطرس حياة البركة هكذا: الحياة المباركة تعني "غَيْرَ مُجَازِينَ عَنْ شَرّ بِشَرّ أَوْ عَنْ شَتِيمَةٍ بِشَتِيمَةٍ، بَلْ بِالْعَكْسِ مُبَارِكِينَ، عَالِمِينَ أَنَّكُمْ لِهذَا دُعِيتُمْ لِكَيْ تَرِثُوا بَرَكَةً." (1 بط 3: 9). وعندما أُصبح بركة الله، فإني أرد على كل حدث في حياتي طبقًا لمجموعة من القيم تختلف جذريًّا عن قيم العالم المحيط بي.
أرفض أن أسمح لأفكار الآخرين أن تأكل فرحتي، لأن أبي أعطاني ذاته وهو مصدر البهجة.
أرفض أن أطلب الثأر لنفسي، لأن أبي أعطاني ذاته وهو ديّان العالم.
أرفض أن أترقب أخطاء الآخرين، لأن أبي رفض أن يترقب أخطائي.
إذا أصبحت هذا النوع من الأشخاص، فهناك خبر سيئ: أنه يمكن ينتهي بي الأمر أن أكون مجروحًا. ولكن الخبر السار هو أنه لم يعد يهمني أين سينتهي بي الأمر، لأنني قد وجدت فرحي وقيمتي، ليس في ذاتي، ولا في ظروفي، ولكن في إلهي.
ليس سهلاً أن تحيا حياة البركة. بصراحة، أن تكون بركة الله قد يسبب ألمًا.. ألمًا عميقًا. وذلك لأنني عندما أصبح بركة الله، فأنا مُجبر على التعرف على كل ضخامة أنانيتي. فكم من مرة رفضت أن أقول لشخص أخطأ إليّ، "إذا كنت أغضبتك، فمن فضلك سامحيني؟". كم من مرة اشتقت أن أبكي أثناء الصلاة مع صديق مجروح – ولكنني قاومت الدموع إلى أن اهتزت وجنتيّ حتى لا أخاطر بإظهار الضعف؟ كم من مرة جلست بورع في مقعدي أثناء وقت الصلوات الليتورجية بينما كان عقلي يرفرف حول أفكار متمركزة حول ذاتي؟
أن ترفض أن تحمل ضغينة تجاه شخص آخر فهذه خدمة تقدمها لنفسك أو له، أما أن تطلب المغفرة فهذه بركة.
أن تصلي مع صديق فهذه خدمة له، أما أن تنوح معه أو معها فهذه بركة.
أن تسدد احتياجات أحد أعضاء الكنيسة فهذه الخدمة له، أما أن تُخضع نفسك لله بالتمام فهذه بركة.
أن تكون بركة تعني التضحية بالذات، ويسوع هو مثالنا
ضروري، ولكن ليس سهلاً
دعنا لا نخدع أنفسنا: حياة البركة محرجة ومهينة وخطرة. وإذا كنا ندعو أنفسنا أتباع المسيح، تكون أيضًا ضرورية. ويضعها برينان مانينج Bernnan Manning في الكلمات التالية: "محبة إلهنا ليست مُكرمة على الإطلاق، وعلى ما يبدو أنه يتوقع أن تسير محبتنا على نفس النمط. ليس فقط يطلب الله منا أن نقبل نوعية حبه غير الواضحة بل والمحرجة، ولكن بمجرد أن نقبلها، نجده يتوقع منا أن نحب الآخرين بنفس أسلوبه. أعتقد أنني أستطيع، إن كنت مجبرًا، أن أعيش مع إله أتحرّج من محبته لي، ولكنني لا أستطيع أن أتقبل فكرة أنه عليّ أن أحذو حذوه في محبتي للآخرين، فهذا أكثر من طاقتي.[5]
لقد قال يسوع ذات مرة، "وَطُوبَى لِمَنْ لاَ يَعْثُرُ فِيَّ" (لو 7: 23) – حرفيًا، "طوبى لمن لا يشعر بالعار والفضيحة بسببي." واسمحوا لي أن أُعيد صياغة قصده:
"طوبى لمن لا يُحرجون من حبي غير المُكرم، وغير المريح، والجامح. هؤلاء هم الذين بالحق يحبونني. هؤلاء هم الذين سيحملون حبي إلى ما بعد الحدود البشريّة، إلى الناس المُتخمين بالحسنات والخدمات، ولكنهم متضورون جوعًا للبركات. هؤلاء هم الذين يفهمون ما معنى أن يُصلوا "مبارك هو الرب ADONAI إلهنا، ملك الكون". من منظور العالم، هذا الحب هو لمجموعة من الخاسرين. أما من منظور الله، فهذا الحب هو الوحيد الذي يستحق عناء أن يقدّم الإنسان حياته من أجل الحصول عليه".
تأمل
مبارك هو الرب!
مبارك هو الملك الخادم!
مبارك هو الله الضعيف!
أنه من السهل أن أتصوّرك ملكًا عظيمًا، ممجدًا على عرشك.
أو محاربًا قادرًا على كل شيء، مستعدًا أن يحارب لأجل شعبه.
أو أتصورك الروح المستبد المهيمن على كل شيء، تُحوّل العدم إلى عالم حي.
ليس سهل أن أتصورك راكعًا على ركبتيك
ليس ممجدًا بل على ركبتيك
على ركبتيك
في خدمتي،
تحت تصرفي.
أنه من الصعب أن أقبل حقيقة واتضاع إلهٍ
يختار أن يكون بركة، يختار أن يكون ضعيفًا.
والأصعب أن أضع نفسي.
أنا لا أمانع في الانحناء لبعض الأشخاص...
اللطفاء،
النظاف،
الأبرار.
لكن أن أبارك أي إنسان، بما فيهم...
غير اللطيف
غير البار
ربي، لماذا يجب أن تكون الأمور صعبة جدًا؟
أحب أن أكون انتقائيًا في خدمتي.
دعني أخدم كما خدمت أنت
فأنت لم تكن انتقائيًّا
وإلاًّ، فما كنتَ لتختارني أبدًا.
تيموثي جونز
من كتاب: "كيف صلى بسوع كيهودي"
[1] لاحظ الارتباط بين المباركة وبين اسم الله في خروج 20: 24؛ عدد 6: 27؛ ومزمور 63: 4
[2] Joni Erickson Tada and Steve Estes, When God Weeps: Why Our Sufferings Matter to the Almighty (Grand Rapids: Zondervan, 1997), 45
[3] Philip Yancey, The Jesus I Never Knew (Grand Rapids: Zondervan, 1995), 36.
[4] Thomas Cahill, Desire of the Everlasting Hills (New York: Doubleday, 1999), 89.
[5] Brennan Manning, The Ragamuffin Gospel rev. ed. (Sisters, Oregon: Multnomah, 2000). 167.