ملحوظة شخصية للكاتب (من مقدمة الكتاب):
دعوني أخبركم لماذا كتبت هذا الكتاب.
لقد أتيت في حياتي إلى الموضع الذي فيه احتاج أن أعرف الله أكثر وإلا فلا نجاة لي. فالحياة لها أوقاتها التي فيها تقذف بي إلى حيرة عمياء وألم مضني، حيث أفقد كل رجاء، ويذهب كل فرح، ولا شئ يشجعني.
ربما أهم درس أتعلمه بينما أمضي في تلك الأوقات الحالكة هو أنه لا يوجد مهرب من المشاكل والألم في هذه الحياة. يمكنني أن أحيا مطيعاً، وأطبق الوصايا المسيحية، وأعلن هويتي في المسيح، ولكن المشاكل تستمر.
لكني أحتاج إلى شخص أكثر من أي شئ آخر، شخص يمكنه أن يعطيني الرجاء والسلام والفرح وسط صراعات الحياة غير المتوقعة. مجرد اتباع خطة أمر غير كاف. وتطبيق الوصايا الكتابية لا يجعل الأشياء تأتي دائماً كما أتمنى. بدون شخص أثق فيه فلابد إما أن أدّعي أن الأمور أفضل مما هي عليه، أو أن أحيا فقط لتخفيف الألم. وإن لم ينجح الإنكار وفشلت المحاولات الجاهدة لصرف الألم، فسوف أنهي حياتي في انحراف أو جنون أو بالانتحار. إن عبارات الخطابة الرنانة التي نستخدمها جميعنا، مثل: "فقط ثق بالرب، صلي أكثر، اذهب لطلب المشورة، اتبع خطة الله بدقة"، مثل هذه العبارات لابد أن تفسح المجال لطلب الرب. لقد كتبت هذا الكتاب بناء على الصرخة الملحة في قلبي لأن أعرف الله. لقد صرت مقتنعاً أكثر من أي وقت مضى بأن الله يتوق إلى أن نعرفه أكثر مما نرغب نحن في ذلك، وأن عمله فينا هو أن يزيد من رغبتنا لمعرفته حتى تعلو على أي رغبة أخرى بداخلنا. إن إنشاء وتنمية هذه الرغبة في داخلنا هي عملية طويلة وصعبة يلتزم الله بها بلا هوادة. إن الطريق صعب وقليلون الذين يطرقونه، ولكن الرحلة تستحق. فالله صالح فوق كل قياس ويمكن الوثوق به!
إحساس مرعب
لقد بكيت كثيراً خلال الأسبوعين الذين أعقبا حادث الطائرة (التي مات بها أخوه)، ولازالت إلى الآن أتألم من وقت لآخر حين أتذكر تلك الفاجعة التي أصابت عائلتنا.
ولكن بعد أسبوعين من الحادث استشعرت دموعاً لم تكن قد زرفت بعد، دموع محبوسة في مكان أعمق من الخسارة العميقة التي شعرتها في موت "بيل". لقد أخبرت زوجتي بأن شئ ما غريباً يحدث في داخلي. كان هناك إحساس مرعب حُرِكَ بداخلي. رعشات هادئة، علامات مبكرة لزلزال وشيك الحدوث، قد هزت أعماقي.
طوال ذلك اليوم، الأحد السابع عشر من مارس، شعرت بعدم الراحة أو الاستقرار. لم أستطع النوم تلك الليلة. تركت الفراش عند منتصف الليل وأخذت كتابي المقدس، وتوجهت إلى خلوتي.
لأسباب لازالت غير معلومة لدى، بعد ثوان معدودة حدث الانفجار. انهمرت الدموع من عينى وأغرقت وجهي. نُحت وتنهدت وأجهشت في البكاء ربما لعشرين دقيقة دون أن تخرج كلمة واحدة ملحوظة من فمي، فقط أنين نفس تتلوى من الألم. شعرت بحزن يفوق الكلمات، اعمق من أي حزن عرفته من قبل. وبوضوح مرعب أدركت أني، مع سائر البشر، قد خرجنا من الجنة بلا عودة!
حينئذ بدأت الكلمات في العودة، مكبوتة في البداية ومن ثم في صراخ شديد. صرخت إلى الله قائلاً: "لا يمكنني تحمل الحقيقة. الحياة مؤلمة. أنا أناني. لا شئ يمكن احتماله. لا يوجد شئ يرضي أو يعوّض. لا شئ يأتي بالفرج. ليس هناك صلاح أكيد. ليس هناك راحة. الحزن يغلب الفرح. لا يمكنني أن أستمر بدون أن أعرفك أكثر."
حينئذ، كما بدأت الدموع فجأة توقفت فجأة. وجلست في هدوء مدركاً أني في عمل مع الله، وأن أعماق كياني في تواصل معه. لابد وأنه مسرور، كما تصورت، من أشواقي الغيورة للتواصل معه.
شعرت شعوراً حسناً ربما لدقيقة. وعندئذ كوقع صدمة ساحقة، أدركني الإحساس التالي؛ بأني "منشغل بذاتي!"، وأني لم أقترب حتى من التلامس معه. فهو ليس في ذهني، بل "أنا"! وفاضت الدموع مني ثانية، بضراوة اشد هذه المرة.
اعتصر الألم جسدي وأنا أصرخ قائلاً: "يا رب، لا أعرف كيف أتي إليك. أحتاج أن أعرفك، وأن اشعر بحضورك ومحبتك أكثر من أي شئ آخر. لكني لا أدري ماذا أفعل. كل طريق أسلكه إنما يقود إلى ذاتي مرة أخرى. لابد أن أجد الطريق إليك! أنا أعرف أنك كل ما أملك. ولكني لا أعرفك بما يكفي أن تكون كل ما أحتاج. من فضلك دعني أجدك."
إن كنت أبداً تمنيت أن أرى رؤية أو أن أسمع صوتاً من السماوات الصامتة، كان في ذاك الوقت. ولكن شيئاً لم يأتي. لم يملئ الحجرة ضياء ناعم، ولم يمزق صوت ما عزلتي. فقط جلست بمفردي. ومرة أخرى، وبطريقة لا إرادية هدأت.
د. لاري كراب
من كتاب "Finding God"
(الفصل الأول: رحلة شخصية. ص24- 25)
ترجمة: مشير سمير
يُسمح بإعادة نشر المحتوى بشرط ذكر المصدر واسم الكاتب والمترجم