من يسدد احتياجاتي؟
كيف يستطيع الزوج والزوجة على مستوى احتياجاتهما الشخصية أن يصيرا واحداً؟!
من الظاهر أنه في سعينا لتسديد احتياجاتنا الشخصية في الزواج، تبدو هناك أربعة مواقف أساسية متاحة أمامنا، وهي:
1- أن نتجاهل احتياجاتنا
2- أن نجد الشبع في الإنجازات
3- أن نحاول تسديد احتياجاتنا من خلال الآخر
4- أن نتكل على الرب في تسديد احتياجاتنا
الاختيار الأول: أن نتجاهل احتياجاتنا.
يمكننا رفض الاختيار الأول بسرعة لأننا إن كنا نؤمن بما تعلمه إيانا كلمة الله، فسندرك أن احتياجاتنا الشخصية هي حقيقة مثلها في ذلك مثل حاجتنا إلى الطعام والشراب والمأوى، وأن تجاهل هذه الاحتياجات هو بمثابة الدعوة إلى الفشل. فكما أن عدم تسديد احتياجات الجسد يؤدي إلى الموت، هكذا أيضاً عدم تسديد الاحتياجات الشخصية من الشعور بالأمان والقيمة يؤدي إلى موت الشخصية. ومن مظاهر موت الشخصية الشعور بعدم القيمة، واليأس، والخوف، وفقدان الدافع والطاقة، والتحول إلى إدمان المخدرات والجنس والمشروبات الكحولية للتخفيف من آلام الموت والشعور بالفراغ والملل. لقد خلقنا الله باحتياجات شخصية ولكي نكون أمناء على حياتنا، يجب ألا نهمل تسديد هذه الاحتياجات.
الاختيار الثاني: أن نجد الشبع في الإنجازات
لأننا نعيش في عالم ساقط، نجح إبليس في جعلنا نؤمن بأكاذيبه. فمجتمعنا يشجعنا على قياس قيمتنا الشخصية بمقدار الإنجازات التي يقوم بها الشخص. لقد نجح العالم في أن يُشكل الكثير من المؤمنين حتى أنهم آمنوا أن الشعور بالقيمة يمكن أن يسدد بدون الدخول في علاقة عميقة مع الإله الحي.
إن المجتمع اليوم يقيس قيمة الإنسان بمقدار نفوذه ومركزه الوظيفي وموقع وثمن وحجم منزله، وبشخصيته الاجتماعية وجاذبيته الجسدية، وبالسيارات التي يمتلكها والملابس التي يرتديها ومستوى التعليم الذي حصل عليه، ومهاراته الرياضية والموسيقية. أما في المجتمعات الدينية، فتـُقاس قيمته بإمكاناته في الخدمة في الكنيسة (التسيبح، التدريس في مدارس الأحد.. الخ)
وبالنسبة للمرأة، عادة ما يتم تحديد قيمتها بناء على الدوائر الاجتماعية ووظيفة أو مهنة زوجها، وجاذبيتها ورقتها واختيارها للماركات العالمية في انتقاء ملابسها، ومسكنها وأثاث منزلها والمهارات العامة (مثل الاستضافة والتحدث إلى الجماعات النسائية… الخ).
هناك أزواج كثيرون بلا عقل صدقوا هذه الأكذوبة من إبليس. فنجد أن "الأشخاص الظرفاء" الذين يتمتعون بقدر وافر من المال والجمال والمواهب قد يختبرون شعور مزيف بالقيمة قد يُشبع بعض من احتياجاتهم. ولأن ألم الاحتياجات غير المُشبعة غير واضح لديهم، فقد لا يدخلون دائرة الصراع الصعبة للحصول على الأمان والمعنى الحقيقي. وقد تبدو حياتهم سعيدة ومتألقة وخالية من المتاعب -فلا يوجد مرض يعادل الصراع الداخلي العميق. وكلما بلغ الشعور بعدم الراحة حيز الإدراك، يبدأ هؤلاء الناس في تخديره عن طريق الانغماس في مزيد من الأنشطة أو المشتريات أو الرحلات أو أي شيء آخر يستمتعون به.
وأتساءل، كم عدد الأزواج المسيحيين الذين يتمتعون برغد العيش والحياة الهانئة إلا أنهم لم يصلا معاً إلى مستوى العمق في شخصياتهم وإنما يدفنون اشتياقاتهم الداخلية للحب والقيمة تحت جبل من النجاح. يا له من أمر محزن! يا له من فراغ! إنه من الأفضل أن أكون في صراع مادي حقيقي عن أن أقبل التنعم في الظلال.
الاختيار الثالث: أن نحاول تسديد احتياجاتنا من خلال الآخر
إن كان تجاهل احتياجاتنا أمر خطير، وإن كان البحث عن الشبع من خلال الإنجازات ينتج عنه علاقات ضحلة، فماذا نفعل إذن بهذه الاحتياجات؟ إن الغالبية العظمى من الناس يتوقعون أن يجدوا الإجابة لدى شريك حياتهم.
فكروا معي فيما يحدث بالفعل عندما يقبل شخصان على الزواج. هناك شخصان، لكل منهما احتياجاته التي تصرخ طالبة للإشباع، يتعهدان معاً أن يصيرا واحداً. وفيما هم يرددون عهود الزواج بأن يحب ويحترم كل منهما الآخر، تتحرك داخل كل منهما دوافع قوية ولكنها خفية. ولو تخيلنا أن هناك جهاز تسجيل يمكن أن يسجل ما يدور في ضمير كل منهما، ربما سمعنا كلمات مثل هذه:
العريس: أحتاج أن أشعر بالأهمية وأتوقع أن تقومي بتسديد هذا الاحتياج عن طريق الخضوع لكل قرار اتخذه سواء كان سيئاً أو جيداً واحترامي بغض النظر عن سلوكي، وتعضيدي في كل ما اختار أن أفعله. أريدك أن تعامليني على أني أهم إنسان في العالم. إن الهدف من وراء زواجي بكِ هو أن أجد المعنى والقيمة من خلالك. إن الزواج أمر يوصيكِ الله من خلاله أن تخضعي لي وهذا ما يعجبني.
العروس: لم أشعر أبداً بأني محبوبة بالقدر الذي تتطلبه طبيعتي، لذلك أتوقع منك أن تسدد هذا الاحتياج عن طريق إبداء المشاعر الرقيقة حتى وإن كنت غاضبة والاهتمام بي سواء كنت مرهفة الحس تجاهك أم لا. كما أتوقع منك الحساسية المرهفة والرومانسية لتقلباتي المزاجية، فلا تخذلني.
إن الزواج المرتبط بعهود استغلال الواحد الآخر لتسديد احتياجاته الشخصية (وأخشى أن تكون معظم الزيجات مبنية على هذا الأساس) يمكن تشبيهه بالعلاقة التي تربط حشرة القراد بالكلب. فكما أن الحشرة الجائعة تتطفل على جسم آخر للحصول على الغذاء، هكذا يتحد كل شريك مع الآخر للحصول على ما تتطلبه طبيعته من احتياجات. إلا أن المشكلة التي لا حل لها بالطبع في هذا الوضع هي أنه يوجد حشرتان قراد ولا يوجد كلب!
إن كل كائن حي لابد وأن يكون قد اختبر ألماً عميقاً نتيجة لشعوره بالرفض في الوقت الذي كان يشتاق فيه لأن يجد القبول. إننا ندخل في علاقة الزواج متمنين أمراً يختلف عما اختبرناه في الماضي ولكن سرعان ما نواجه ببعض أنواع النقد والرفض وهنا يكون الألم الناتج عميق للغاية ويتطلب شفاءً. ولكننا نتراجع خلف جدران من البعد العاطفي لنحمي أنفسنا غاضبين من شريك الحياة الذي خذلنا بشدة، غير مستعدين لأن نتقابل ثانية عند هذا المستوى العميق من الاحتياج خوفاً من اختبار مزيد من الألم.
(يتبع الأسبوع القادم)
---------------------------
من كتاب: "The Marriage Builder"
لدكتور. لاري كراب
الفصل الثاني