الأسئلة أهم من الأجوبة

د. خالد منتصر ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

 

المجتمع المتقدم هو الذى يحمل فى داخله بذرة النمو وجنين التحرر والانطلاق، هو المجتمع الذى يمتلك من الأسئلة أكثر مما يمتلك من الأجوبة!، فالحرارة الكامنة فى علامة الاستفهام مصدر طاقة جبار، تعوض صاحبها عن برودة الإجابة الحاسمة التى تزيف الوعى وتصرخ دائماً «كل شىء تمام».

قديماً تساءل الناس: لماذا ظهرت الفلسفة فى بلاد اليونان ولم تظهر فى مدينة إسبرطة؟، وكانت الإجابة أن اليونان كانت بلداً ديمقراطياً ازدهرت فيه الأسئلة، أما إسبرطة فقد كانت مجتمعاً عسكرياً لديه الإجابة على كل شىء، قانونه الطاعة وشعاره لا تناقش فالنقاش رجس من عمل الشيطان!، وكان الفيلسوف سقراط هو المتسائل الأعظم يخرج من بيته صباحاً فيقابله تلميذه قائلاً: صباح الخير، فيلتقط سقراط الخيط ليسأل هذا التلميذ عن معنى الخير، ويتلعثم التلميذ فقد كان يظن أنها بديهية،

وتتوالد الأسئلة على لسان سقراط ويتوهج عقل التلامذة، وتخرج زوجة سقراط من الشرفة لتدلق المياه على رأس سقراط وتلاميذه فهى تريد الخضار من السوق، وعمنا سقراط قاعد يناقش فى تلاميذه!!، وقد كان اليونانيون يطلقون على «سقراط» لقب ذبابة الخيل التى تقض مضاجع الخيل وتضايقه وتجعله يقظاً على الدوام،

فهل نملك نحن ذلك المثقف الذى يتحول إلى ذبابة الخيل تلك؟ أم أننا لدينا أنماط أخرى من المثقفين المزغزغين والمهدهدين الذين لا يريدون إقلاق راحتنا وكسلنا الفكرى، ولا يرغبون فى إيقاظنا من أحلامنا الوردية اللذيذة حتى لا نطلق عليهم وصف المثقف الغلس أو الرخم، فهم يتبعون شعار الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها، والفتنة بالطبع هى فتنة التفكير، ويطبقون فى حياتهم شعار ليس فى الإمكان أبدع مما كان، رغم أنه دائماً فى الإمكان أن نبدع أحسن مما كان.

لكن ما هى أهمية أن نمتلك القدرة على طرح الأسئلة، أليس راحة ألا نسأل ونظل نجيب فقط ؟، والإجابة المنطقية هى بالطبع أن الراحة جميلة والكسل لذيذ، وكما يقول المصريون عن المريض بالقلق والتوتر «ده عنده فكر» وكأن التفكير أصبح مرضاً يستدعى العلاج، ولكنى أؤكد أن هذه الإجابة المريحة والفزع من السؤال هما اللذان أفرخا جنين التطرف فى أحشاء المجتمع المصرى، أما كيف حدث هذا التطرف نتيجة ما أطلق عليه مرض الخرس التساؤلى؟، فهذا ما سأحاول الإجابة عنه باختصار.

المتطرف هو إنسان عنده كل شىء محسوم من قبل، وكل شىء لديه إجابة جاهزة عنه، أما كيف يتشكل هذا المتطرف؟ فهذا هو السؤال الخطير، يتم تشكيل المتطرف فى الطفولة بمنعه من التساؤل والجدل الذى يعتبر فى نظر الأبوين نوعا من «الزن» وأحياناً التطاول وقلة الأدب، ويدخل بعدها المدرسة ليحفظ فقط كلام المدرس المقدس ومنهج الوزارة الكهنوتى، وتكثر عنده المقدسات التى لا تناقش،

ويصبح المدرس هو المشروع المبدئى لأمير الجماعة فيما بعد، ويصير منهج الوزارة هو مانيفستو التطرف والتكفير عندما يكبر، فالطاعة العمياء هى الدستور فى الحالتين، ويصبح التلميذ الذى يناقش أستاذه مشاغباً متطاولاً على الكبار، ومن يخرج عن منهج الوزارة فهو خارج عن الحدود، متجاوز للخط الأحمر، ساقط بالثلث، ويوصم المخالف فى المدرسة بأنه «قليل الحيا»، وبعد ذلك تتضخم التهمة فيتهم الطفل المطيع عندما يكبر من يخالفه بأنه كافر، وهكذا تبدأ المسيرة عندما نغتال كلمة لا، وعندما نخنق الدهشة تبدأ كلمة نعم فى التضخم، وتبدأ الألفة والاعتياد فى النمو حتى تصبح ديناصوراً يلتهم الأخضر واليابس.

مقال بقلم: د. خالد منتصر

نُشِرَ بجريدة المصري اليوم ٢٩/ ٧/ ٢٠٠٩

http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=220642