الأرنب والسلحفاة

إيريني لطيف ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٠

الأرنب والسلحفاة

في طفولتي حكت لي عمتي حكايات عده، كان لها من التأثير الكبير علي حياتي .. كان من بينها تلك التي تحكي عن هذه المسابقة الكبيرة التي أقيمت في الغابة لتحديد أسرع حيوان وتقدم لها كل من السلحفاة والأرنب. إنه حقا لشيء مضحك أن تظهر السلحفاة أمام الأرنب في مسابقة كهذه! بماذا كانت تفكر يا تري؟ وماذا أرادت الإثبات؟ ولمن؟ لا نعلم! لكنها ثبتت وجهها!!.. إنطلقت الصافرة تعلن البداية وتحركت السلحفاة بطيئة كعادتها، أما الأرنب فنظر إليها ضاحكا ساخرا و بقفزات سريعة إنطلق ليسبقها ويقطع نصف السباق في لا وقت يُحسب بينما جاهدت المخلوقة مع بطئها!!. ويحكي أن الأرنب نظر وراءه ولم يري أحدا غيره فاطمئن وجلس ليستريح تحت احدي أشجار الغابة الوارفة "فهو فائز لا محالة!" وغط في نوم عميق بينما السلحفاة تقترب وتقترب وفجأة أفاق في لحظة من الزمن وأسرع.. لكن فازت السلحفاة! ياللعجب! هزمت بمجهودها سرعته!!


أذكر وأنا طفلة أتعلم الكتابة، إنني كنت أبطأ طفلة في الفصل لنسخ ما هو مكتوب علي السبورة.. كنا نأخذ المجموعة بعد إنتهاء اليوم الدراسي وكان إسم مدرستي "مني" وكانت جميلة وحنونه. كان كل الأطفال من أقراني ينتهون من نسخ ما كتبت ميس مني علي السبورة ويغادرون إلي بيوتهم بينما أمكث أنا وحيدة مع بطئي لأنسخ ما هو مكتوب، وإحقاقا للحق "كان خطي جميل!". لم تكن مدرستي تؤنبني.. علي العكس، كانت تجلس بجانبي في هدوء تحضر دروس اليوم التالي! وبعد الإنتهاء من التحضير، كانت تشغل التريكو!! لكي لا تتركني وحيدة وفي نفس الوقت لكي لا تمل من طول الإنتظار. وعندما كنت أعتذر عن بطئي كانت تشجعني بجمال خطي!.


لطالما مقت بطئي و قارنت ومازلت أقارن نفسي بأقراني من النشطاء، النابغين، الناصحين، السريعين، الشاطرين.. اللذين لا يعانون معاناتي، اللذين لا يخافون خوفي، الذين لا يرتبكون إرتباكي، اللذين لا يكتئبون إكتئابي، اللذين لا يحملون أحمالي .. من حياتهم أسهل، من حياتهم أوضح، من خطواتهم أسرع، من خطواتهم أوسع.. هؤلاء الطامحين.. من عرفوا دروبهم في الحياة، من وجدوا الحب، من وجدوا الرفيق، من وجدوا الطريق، من وجدوا الدعوة، من يخطون خطوات واضحة في عالم واسع!


أقف في منتصف الثالثة والثلاثين من عمري.. بلا رفيق، بلا بيت لنفسي، بلا طفل، بلا إنجاز يحسب علي المستوي المهني، بلا رؤيا أو وجود علي المستوي الخدمي أو الدعوي. أعاني مع نفسي ومع صغري ومع ما أشعر به من نقص شديد.


أسجل إنتصارات محدوده في وسط إنهزامات عديدة.. لكنها إنتصاراتي!


أحبو في الحياة "أعنيها" و لكنني أتحرك! أحمل صدفتي الثقيله وأتحرك بها في كل مكان! لا أحمل ذنب حملي فقد وُضع عليّ! لكني أقبل ما حُمّلت به وأتحرك بسرعتي لإكتشاف الحياة. ألتهم غذائي بسرعتي، أتحرك نحو أهدافي بسرعتي، أتم مهامي بسرعتي. لست أرنبا وأعلم ذلك. أعلم محدوديتي وأقبل عجزي وأتحرك.. مقارنة نفسي بسائر المخلوقات من حولي لن ينفعني! كائنات علي كل شكل ولون لكنهم ليسوا سلحفاة ولا يعرفون كيف هو شعور أن تكون سلحفاة. لكل منا ألمه الخاص حتي لو أظهر غير ذلك! لم يكن لأحد ألمي ولم يكن لي ألم أحد! لكل منا صراعه حتي لو إجتهد كُل لإخفاءه!


أخرج من حلبة السباق! أسكن صراعي! ألتزم بنفسي علَي أدرك فرادتي..

 

إيريني لطيف