أن نحب الله لذاته يعني
أن نحبه لجمال قداسته
لقد أوضحت، سابقاً، أن العاطفة الروحية تنبع من حب الأمور الروحية (لذاتها وليس من مصلحة ذاتية). والآن لنتقدم خطوة أبعد من ذلك، فأنا أقول أن هذا الحب للأمور الروحية هو حب أخلاقي (أدبي)، فما يحبه المؤمن في الأمور الروحية هو قداستها، إنه يحب الله لجمال قداسته.
وما أعنيه بكلمة أخلاقي ليس أخلاقيات البشر كالأمانة والعدل والكرم، وإنما أعني بها أخلاق شخص الله أي قداسته، فقداسة الله هي محصلة كمالاته الأخلاقية – بره، حقه، صلاحه (بالطبع توجد صفات أخرى لله مثل قوته وعلمه وسرمديته لكننا لا نسميها خصائص "أخلاقية"، لأنها ليست خصائص شخصية الله). ولا أقول أن المؤمنين لا يرون ما يُحب في قوة الله وعلمه وسرمديته؛ إلا أننا نحب هذه الأمور من أجل قداسة الله. إن القوة والعلم بدون قداسة لا تجعلان كائناً ما محبوباً. فمن ذا الذي يجد روعة في إنسان شرير لمجرد أن له قوة وعلم عظيمين؟ لكن القداسة هي التي تجعل تلك الخصائص الأخرى لله خصائص محبوبة. إن حكمة الله مجيدة لأنها حكمة مقدسة وليست خبثاً شريراً. إن سرمدية الله مجيدة لأنها سرمدية مقدسة وليست مجرد شر غير متغير.
لذلك فالمحبة لله يجب أن تبدأ بالابتهاج بقداسته أكثر من أي صفة أخرى. إن قداسة الله هي مصدر جمال باقي كيانه. فمن غير الممكن أن نرى أي شيئاً جميلاً في علم الله أو قوته أو سرمديته أو غير ذلك من الصفات ما لم نرى أولاً جاذبية قداسته.
وكما أن القداسة هي جمال طبيعة الله فإنها أيضاً جمال كل الأمور الروحية. إن جمال المسيحية يرجع إلى كونها ديانة مقدسة، وجمال الكتاب المقدس يرجع إلى قداسة تعاليمه (مز19: 7-10)، وجمال ربنا يسوع في قداسة شخصه (أع 3: 14)، وجمال الإنجيل في أنه إنجيل مقدس يستمد نوره من جمال الله ويسوع المسيح. كما أن جمال السماء في كمال قداستها – المدينة المقدسة (رؤ21: 10)
يشير الكتاب المقدس إلى جمال القداسة كالهدف الحقيقي للشهية الروحية، كان هذا هو الطعام الحلو للرب يسوع المسيح "أنا لي طعام لآكل لستم تعرفونه أنتم .. طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله" (يو4: 32، 34). كما أن مزمور 119 يعتبر من أوضح الفصول في الكتاب المقدس عن طبيعة الديانة الحقيقية، إنه يكرم ناموس الله الذي يظهر قداسته. إنه يوضح أن سمو هذا الناموس هو الغرض الأساسي للتذوق الروحي (مثلما جاء في أعداد 14، 72، 103، 127، 131، 162 من هذا الإصحاح). وترى مثل ذلك في مزمور 19 أيضاً حيث يوضح كاتب المزمور أن وصايا الله المقدسة "أغلى من الذهب والإبريز، وأحلى من العسل وقطر الشهاد" (مز19: 10)
إن الشخص الروحي يحب الأمور المقدسة لنفس السبب الذي لأجله يكرهها الشخص غير الروحي – فماذا يكره الشخص غير الروحي في الأمور المقدسة؟ إنه يكره قداستها بينما الشخص الروحي يحب قداسة الأمور المقدسة. ونحن نرى ذلك في القديسين والملائكة في السماء فإن ما يأسر قلوبهم وعقولهم هو مجد وجمال قداسة الله، ففي (اش6: 3) نقرأ "وهذا نادى ذاك وقال قدوس قدوس قدوس رب الجنود، مجده ملء كل الأرض"، وفي (رؤ4: 8) "لا تزال نهاراً وليلاً قائلة قدوس قدوس قدوس الرب الإله القادر على كل شئ الذي كان والكائن الذي يأتي"، وفي (رؤ15: 4) "من لا يخافك يارب ويمجد اسمك لأنك وحدك قدوس".
وكما هو الحال في السماء كذلك يجب أن يكون على الأرض، ففي (مز99: 5) يقول: "علوا الرب إلهنا واسجدوا عند موطئ قدميه. قدوس هو".
إنه بإمكاننا أن نختبر أشواقنا للسماء بهذه القاعدة:
هل نريد أن نكون هناك لأجل جمال قداسة الله التي تشع هناك؟ أم أن اشتياقنا للسماء مبني على مجرد اشتياق للسعادة الأنانية؟
(يتبع الحلقة القادمة)
جوناثان إدواردز
من كتاب: "العدوى الدينية"
ص 80 – 82